شعار ناشطون

المتراس الذهبي لرياض سلامة..

03/12/22 07:08 am

<span dir="ltr">03/12/22 07:08 am</span>

أحمد عياش – أساس ميديا
في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، أطلّت صورة لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة وسط سبائك الذهب مثيرةً التساؤلات والمشاعر المختلفة والتعليقات الساخرة، ومن بينها: “بعد في ذهب ما انسرق؟”، و”ودعوهم يا جماعة، حط عينو عليهن”، وغير ذلك الكثير.

بين نعيم وسلامة
برّر المصرف صورة الحاكم في بيان أشار إلى “إنهاء المركزي تدقيق احتياطياته من الذهب، بناء على طلب صندوق النقد الدولي. وتبيّن أنّ كميّة الذهب في خزائنه مطابقة للمبالغ المذكورة في ميزانيّته العمومية”.
ماذا كان يضير لو جاءت صورة السبائك خاليةً من حضور الحاكم، أو أطلّ آخرون على علاقة بالأمر في الصورة بدلاً منه؟
قبل 33 عاماً، التقط المصوّر المعروف ماهر العطّار، بناء على قرار من حاكم مصرف لبنان الراحل إدمون نعيم، صورة للأخير داخل مكتبه في المصرف حيث ارتفع متراس من أكياس الرمل وظهر الحاكم جالساً على أريكة يجري مكالمة عبر سمّاعة الهاتف.

في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، أطلّت صورة لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة وسط سبائك الذهب مثيرةً التساؤلات والمشاعر المختلفة والتعليقات الساخرة
قصّة صورة
ما هي قصّة هذه الصورة الملتقطة في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، التي نُشرت في الصحف في لبنان والعالم عندما لم تكن توجد شبكة إنترنت ولا وسائل تواصل اجتماعي؟
في كتاب النائب الثاني للحاكم الراحل غسّان العياش الذي حمل عنوان “وراء أسوار مصرف لبنان – نائب حاكم يتذكّر 1990-1993″، كتب المؤلّف يقول: “خلال عهد الدكتور إدمون نعيم اشتدّ القتال، ولا سيّما في العاصمة ومحيطها، وبات يصعب على الموظّفين المسيحيين الحضور إلى مقرّ المصرف المركزي في منطقة الحمرا. وزادت في خوف هؤلاء موجة الخطف التي حدثت في أحد الأيام بعد انفجار عبوّة مفخّخة في منطقة الظريف أودت بحياة عشرين شخصاً. وكان بين المخطوفين المدير البارز والكفوء في مصرف لبنان أندريه شعيب وزملاء له، ولم يعرف أحد مصيره بعد خطفه”.
إذاً في زمن “من لم يختفِ بالخطف، مات بالقصف”، قرّر الحاكم نعيم جعل مكتبه في المصرف المركزي مكان إقامة له طوال فترة حروب أشعلها قائد الجيش العماد ميشال عون بعدما أصبح رئيساً للحكومة العسكرية التي استقال منها كلّ الضبّاط المسلمين. وكم من مرّة انهالت قذائف جنرال بعبدا بصورة عشوائية على الأحياء السكنية عموماً، وعلى مناطق بيروت الغربية (كما كانت تُسمّى) خصوصاً، متسبّبة بمجازر أشهرها في منطقة الأونيسكو.
اشتدّ وطيس تلك الحرب عام 1989. فإلى ظروف الحرب الأهليّة التي لم تكن قد وضعت أوزارها بعد على الرغم من توقيع اتفاق الطائف، كانت الأراضي اللبنانية خاضعة لسلطتين متناحرتين: سلطة الرئيس الياس الهراوي التي كانت تتمتّع بالاعتراف العربي والدولي، وحكومة الجنرال ميشال عون. وضمن “بنك أهداف” الجنرال المتمرّد كان مبنى المركزي في أوّل شارع الحمرا. وفي هذا السياق، يقول العياش: “أكثر ما وتّر العلاقة بين مصرف لبنان و”حكومة بعبدا” كان حرص تلك الحكومة على إيداع الأموال التي تحصّلها من بيع المحروقات وجباية الضرائب في حسابات خاصة في فروع المصارف التجارية الواقعة ضمن نطاق سيطرتها، استناداً إلى قرارات مجلس وزراء الحكومة العسكرية، بل إنّ الأموال المحصّلة من جباية الضرائب كانت تودع نقداً في قصر بعبدا، وفقاً لِما صرّح به الحاكم إدمون نعيم بعد خروجه من مصرف لبنان…

برّر المصرف صورة الحاكم في بيان أشار إلى “إنهاء المركزي تدقيق احتياطياته من الذهب، بناء على طلب صندوق النقد الدولي. وتبيّن أنّ كميّة الذهب في خزائنه مطابقة للمبالغ المذكورة في ميزانيّته العمومية”
أمّا مبالغ التبرّعات لحركة الجنرال عون فقد أُودعت في مصرف مستقلّ له مصرف تابع في فرنسا، ولم تُدمج بأموال القطاع العام، على ما رواه لي المدير العام لأحد المصارف ذات الصلة بالحسابات الخاصّة بالنفط”.
يضيف الكاتب: “كان الحاكم إدمون نعيم، بحكم خلفيّته القانونية، يرفض رفضاً قاطعاً إيداع الأموال العمومية خارج مصرف لبنان، لأنّها تخالف بشكل صريح قانون النقد والتسليف. وهكذا بقيَ هذان الأخذ والردّ الماليّان بين سلطة الهراوي وسلطة عون حتى أواخر عام 1990 عندما سقطت حكومة بعبدا بفعل اجتياح الجيش السوري…. وأثمرت جهود حكومة الحصّ وقتها بتحويل قرابة 25 مليون دولار من المصارف الخاصة إلى حساب الخزينة في مصرف لبنان”.
يخلص العياش إلى القول: “جرّبت الحكومة اللحاق بالجنرال عون وأركان حكومته إلى الخارج فطلبت من السلطات السويسرية كشف السرّية عن أموالهم إذا وُجدت، وقد أهملت السلطات السويسرية طلب الحكومة اللبنانية نظراً للخفّة التي تعاملت بها في هذا الموضوع وإسناد ادّعائها إلى ملفّ فارغ، كما علمت من السفير جوني عبدو، سفير لبنان الأسبق في سويسرا”.

غاية في نفس سلامة
بعد عام من واقعة المركزي الآنفة الذكر، غادر نعيم منصبه وحلّ مكانه الشيخ ميشال الخوري نجل أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال عام 1943، ثمّ رياض سلامة في التسعينيات أيام رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري. وها هو حاكم المركزي في العقد الثالث من حاكميّته يشهد على انهيار لا سابق له منذ قيام لبنان الكبير عام 1920.
بالعودة مرّة أخرى إلى صورة سلامة وسط سبائك الذهب التي تعود ملكيّتها إلى الدولة اللبنانية، تقول أوساط مصرفية إنّ الحاكم الذي ستنتهي ولايته في حزيران المقبل يريد أن يقول إنّه “قادر على خفض سعر صرف الدولار بوجود الذهب و10 مليارات دولار، وذلك لغاية في نفس سلامة”.

في المقابل، تذكر الباحثة القانونية المتخصّصة بالشأن المصرفي سابين الكيك أنّ “التصرّف بالذهب لا يتعلّق بإرادة لبنان واللبنانيين وحدهم، بل هو رهن قرار مشترك مع جهات خارجية، وفي طليعتها واشنطن وصندوق النقد الدولي والدول القادرة على شرائه وتحمُّل نقله”، مذكّرةً أنّ عدداً من الدول مثل ألمانيا واجهت مصاعب كبيرة لاسترجاع ذهبها المحفوظ في أميركا. وتقول إنّ نقل الذهب يستوجب إجراءات معقّدة مرتبطة بالأطراف المعنيّة به وليس فقط بالدولة التي تملكه، وإنّ خيار رهنه أهون من خيار بيعه، لأنّه سيكون بمنزلة كفالة لا تتطلّب نقله.
في الخلاصة، كما يبدو الفارق بين صورة حاكم وراء متراس رمليّ ترك منصبه ومال لبنان مصون، وبين صورة حاكم بين سبائك الذهب وقد أصبح مال اللبنانيين مجرّد ورق تقريباً تتدهور قيمته الشرائية يوماً بعد يوم.

  • تابعنا عبر