شعار ناشطون

طرابلس حاضنة العروبة ثقافة وإنتماء وأسماء شوارعها وساحاتها خير تعبير، بقلم ليلى دندشي

09/08/22 08:56 am

<span dir="ltr">09/08/22 08:56 am</span>

كتبت ليلى دندشي

يعود تأسيس طرابلس البحرية (الميناء) إلى العصر الفينيقي عندما إختارها ملوك المدن الفينيقية صيدا وصور وأرواد عاصمة لإجتماعاتهم الدورية يلتقون خلالها ويتباحثوا بمساواة وعلى أرض محايدة، شؤونهم وقضاياهم وحيث يتخذون أحيانا القرارات المصيرية التي تتعلق بشؤون الحرب والسلام مع المناطق المجاورة .

وبذلك أصبح لطرابلس موقعها المميز وباتت مقصدا للطامعين والغزاة لاسيما من الدول المجاورة برا أو بحرا مثل الفرس والمصريين واليونان والرومان ، ولكن أيا من هؤلاء لم يستطع تأمين إحتلاله الدائم نظرا لتكتّل الفينيقيين ودفاعهم عن عاصمتهم السياسية ، إلى أن تمكن العرب يقيادة معاوية بن أبي سفيان من تأمين سيطرت الأمويين عليها لتسقط المدينة من ثم بيد البيزنطيين ومن ثم سيطر عليها الصليبيون.

غير أنّ المماليك بقيادة السلطان قلاوون قاموا بحصارها حوالي الشهرين وسقطت بأيديهم .
ومع جلوس الملك المنصور صدرت الأوامر بدك أسوار المدينة البحرية وتم تحميل الحجارة لمسافة 2 كلم إلى الشرق من شاطىء البحر وبوشر ببناء المدينة الجديدة كما نعرفها اليوم عند ضفتي نهر أبو علي الذي يخترق طرابلس وهو إمتداد لنهر قاديشا الذي ينبع من غابات الأرز.

لقد راعى المماليك عند بناء المدينة الجديدة أن تكون بشكل” طولي” من الشمال إلى الجنوب وتحديدا من منطقة البحصاص بجوار قضاء الكورة إلى البداوي عند مدخل قضاء عكار حيث بلغ طول المدينة حوالي 3 كلم .

عمد المماليك إلى توزيع الجهتين المقابلتين إلى أسواق تم فيها مراعاة أن تتجاور فيها المهن المتشابهة، فاللحامين بجانب باعة السمك، والخضار، أما الأقمشة على إختلافها والخياطون فبجوار صناعة الحلى وباعة الذهب ، وصناعة وبيع المفروشات قرب دكاكين بيع كراسي القش، وبحيث لا يلتقي الفحّامون مع ” الحلونجيّة”.

وهذا النظام سهّل إلى حدّ كبير مسألة تسمية هذه الشوارع فلكل منها إختصاصاته ولا يتعدى أحدهما على مهن الآخرين، فالفحامون الذين تمت الإشارة إليهم كان بإمكانهم أن يرخصوا لدكاكينهم بجوار النحاسين وتبييض الأدوات المنزلية.

وبذلك فإنّ البلديات التي تمّ إنشاؤها في أواخر القرن التاسع عشر لم يكن من مهامها النظر في إطلاق تسميات لشخصيات محلية أو عثمانية على الشوارع، ولم يشعر سكان المدينة بأي إنزعاج عند تفتيشهم عن أيّ عنوان يتعلّق بأصحاب السلع والبضائع والتجار.

وترافق هذا التنظيم مع ترتيب آخر شمل البيوت والأماكن السكنية، فقد تم إختيار الحارات في مناطق محددة خلف الشوارع التي تحتوي على المتاجر والمهن المنظمة.

وكان يمكن الوصول إلى هذه “الحارات السكنية” بواسطة طريق ضيقة تسمّى ب” الزاروب” أو ” الزقاق”، وكان كل “زقاق” يسمّى بإسم معلم خاص أو بإسم إحدى العائلات ذات المكانة الإجتماعية ، أو بإسم سبيل ماء قائم عند المدخل أو بإسم جامع أو مسجد ، وكان التجار المجاورين لهذه الأزقة يعرفون بالتفصيل جيرانهم من السكان وأين يقيمون.

وإلى اليوم ما يزال العديد من سكان المدينة القديمة في الأحياء الشعبية الداخلية يستخدمون الأسماء القديمة لهذه الزواريب والأزقة، كأن يقال “زقاق القشطة”، “زاروب سيدنا عبد الواحد” ،” زقاق الرمانة”، “زقاق البارودي”، “زقاق الشهال”، “زقاق العوينات”، “زقاق الخانقية”… وكل هذه الحارات هي في نطاق منطقة الحدادين وجوارها.

غير أنّ طرابلس بدأت بالتوسع إنطلاقا من منطقة ” تل الرمل” وإختصارا “التل” مع مفتتح القرن العشرين وإزداد فيها العمران مع إعلان قيام ” دولة لبنان الكبير” ومن ثمّ بدأ إستخدام التيار الكهربائي لأول مرة إبتداء من العام 1931، حيث أقيمت الساحات والشوارع الواسعة وظهرت عربات نقل الركاب بواسطة الخيول كبديل عن الترامواي الكهربائي الذي كان قد ظهر في بيروت قبل ذلك بسنوات كما إنتشرت الطرقات والأوتسترادات العريضة والجسور قبل زمن .

وعرفت العاصمة نظاما جديدا لتحديد أماكن السكن وعناوينها قبل إنتشار ذلك في طرابلس بحوالي ربع قرن.
وقبل التوقف عند التطورات التي شهدتها طرابلس في هذه الموضوعات لا بد من الإشارة إلى أن العاصمة بيروت وعلى مثال عدة مناطق مجاورة لها في منطقة جبل لبنان، قد وازنت في إطلاق الأسماء العربية والأجنبية على ساحاتها وشوارعها ، وكانت بلديتها آنذاك ميّالة إلى التشبه بالغرب على صعيد تسمية شوارعها بأسماء أجنبية، فأطلقت العديد من أسماء رؤساء وأدباء وفنانين على تلك الساحات والشوارع منهم : المهاتما غاندي، لامارتي، ليوناردو دافينشي، وكذلك أسماء دول وعواصم غربية مثل فرنسا،الأرجنتين،الولايات المتحدة، كندا، المكسيك، الكويت، سوريا، البرازيل، كما سمّيت بعض الشوارع بأسماء مطربين وفنانين:فيروز، إم كلثوم، محمد عبد الوهاب… وهناك شوارع تدل على أسماء أشجار: كالصفصاف، السنديان، الصنوبرة، عين التينة، الجميزة، وسمّيت شوارع أخرى بإسم قادة عسكريين أجانب خدموا في بيروت: غورو، اللنبي، فوش، كاترو، سبيرز، ديغول.

هذه الأسماء الأجنبية لم تعرفها طرابلس مطلقا في تسمية شوارعها وساحاتها في المناطق المستحدثة وإستعاضت عنها بأسماء الشعراء والأدباء والكتّاب العرب، وخاصة القدماء منهم أمثال: أبو العلاء المعري، إبن الرومي، إبن خلدون، إبن المقفع، وسميت شوارع وساحات في المدينة باسماء كبار رجال الدين والمفتين الذين تولول الإفتاء في المدينة وهذا الأمر أيضا إنسحب على تسمية المدارس الرسمية في المدينة وإهتمت طرابلس على إطلاق أسماء الزعماء والمناضلين العرب على شوارعها فسميت أكبر ساحة في المدينة (ساحة التل) بإسم جمال عبد الناصر، واُطلق إسم مدينة بورسعيد على أكبر شوارع الميناء بإعتبار أن قسما كبيرا من أبنائها قد تابعوا دراساتهم الجامعية في مصر وسُميت الساحة قبالة مستشفى السلام عند المدخل الجنوبي لطرابلس بإسم (ساحة فلسطين) كما سميت الطريق الذي يمر خارج المدينة بإتجاه المنية وعكار بإسم أوتستراد فلسطين.

وتضمنت قوانين المجلس البلدي مع تحديث التشريعات بندا خاصا بتشكيل وتعيين لجنة خاصة لتسمية الشوارع والساحات العامة في المدينة وقد عملت سابقا على إطلاق العديد من أسماء الشخصيات الراحلة من كتاب وادباء ورجال اعمال خدموا مدينتهم وقاموا بإنجازات هي مدعاة تقدير، على شوارع في طرابلس وخاصة في المنطقة التي تعرف اليوم (بالضم والفرز) في جوار معرض رشيد كرامي الدولي.

وكان لافتا في العام 2011 قيام الوزيرة السابقة ليلى الصلح بإطلاق إسم الرئيس رياض الصلح على الشارع والمستديرة عند ملتقى طرابلس والميناء أمام مبنى السنترال الجديد.
وعند المستديرة إلتقت شوارع الرؤساء رشيد كرامي، رفيق الحريري ورياض الصلح في مشهد قلّ نظيره في بقية المدن اللبنانية.

علما أن وزارة البريد والبرق والهاتف، وبلدية طرابلس قامتا في أعقاب ثورة العام 1958بترقيم المباني والمحلات والشوارع لتسهيل توزيع الرسائل بواسطة البريد وخاصة تلك الواردة من الخارج.

  • تابعنا عبر