كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
قطع الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله الطريق أمام المشككين بنوايا وخلفيات إطلاق رئيس مجلس النواب نبيه بري معركة ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وقال بوضوح لا يحمل أي التباس: «بما أنّ جبران باسيل لا يريد الترشح، لذلك فإنّ مرشحنا للرئاسة هو رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية»، لافتاً إلى «أننا عندما نتخلى عن الورقة البيضاء ونكتب اسم مرشح على الورقة فهذا التزام جدي، فنحن لا نناور ولا نقطّع وقتاً ولا نحرق أسماء مرشحينا. ونعتبر أنّ المواصفات التي نأخذها بالاعتبار موجودة في شخص هو سليمان فرنجية».
اذاً، هو الإعلان الرسمي الثاني بعد كلام رئيس مجلس النواب الذي حصر فيه ترشيحات فريقه باسم رئيس «تيار المردة»، وبالتالي خطّ الثنائي الشيعي بالأحمر العريض اسم فرنجية لرئاسة الجمهورية بعدما كان لا يزال الاسم المعروف – المضمر الذي تحتزنه الأوراق البيضاء. ولهذا الإعلان رمزيته في السياسة وفي المعركة الرئاسية التي لا تزال عالقة في عنق الاصطفافات الداخلية والاقليمية.
ولعل أهم ما في هذا الاعلان هو قطع الطريق على التأويلات التي نُسجت حول كلام رئيس مجلس النواب، حين أعلن للمرة الأولى وبشكل رسمي أنّ فرنجية هو مرشح هذا الفريق في توقيت بدا غير مفهوم أو غير مرتبط بأي تطور نوعي من شأنه أن يبدّل في قواعد اللعبة الرئاسية. اذ ثمة من اعتبر أن بري فعلها من باب حشر فرنجية على طريقة أنّ الثنائي الشيعي قام بكل ما يلزم في سبيل معركته، لكنّ جهوده لم تؤت النتيجة المرجوة، وبالتالي سيحين الوقت عاجلاً أم آجلاً لكي يستسلم ويفتح الباب أمام مرشح ثالث.
في الواقع، يدرك فرنجية كما بقية القوى السياسية، أنّ الثنائي الشيعي وتحديداً «حزب الله» لن يطلب منه النزول عن حلبة الرئاسة وستترك المبادرة له حين يشعر أنّ حظوظه انتفت كلياً، مع العلم أنّ عارفي الرجل يؤكدون أنّه يتعامل مع الاستحقاق بكثير من الواقعية، بمعنى «اذا أتت كان به وإذا لم تأت لن تكون آخر الدنيا». ومع ذلك، هو الذي سيحدد لحظة إشهار استسلامه للواقع المعقد، ولعدم قدرة ترشيحه على إحداث الخرق.
ولهذا، رأى البعض أنّ مسارعة بري إلى «الكشف اللفظي» عن ترشيح رئيس «تيار المردة» وكأنّ فيه شيئاً من الزكزكة المحلية ضد جبران باسيل بعد جولة الاشتباك التي شهدها اجتماع اللجان المشتركة، وشيئاً من التمهيد للخطوة المقبلة، اذا ما بقي الأفق مسدوداً بوجه فرنجية من دون أن يتمكن بالتكافل والتضامن مع حلفائه من تحقيق الخرق المرجو في صفوف الخصوم، أو بالأحرى في صفوف الكتل المترددة.
لكن تأكيد أمين عام «حزب الله» بالصوت والصورة، أحبط هذه التأويلات التي بدت في غير محلها، ولو أنّ بعض مؤيدي فرنجية كانوا يفضّلون لو أنّ الإعلان الأول خرج على لسانه بشكل رسمي مضمّناً إياه مشروعه السياسي- الاقتصادي، ولم تُترك المبادرة للثنائي الشيعي وهو المتهم أصلاً بأنّه مرشح «حزب الله»، ولو أنّ نصر الله وضع السياق في إطار «مرشح يدعمه حزب الله».
وبذلك أيضاً، يكون نصر الله قد أقفل منافذ البحث في اسم ثالث، خصوصاً بعد شطب اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون نتيجة فيتو الثنائي الشيعي والذي عبّر عنه رئيس مجلس النواب بوضوح من خلال إلصاق ترشيحه بالحاجة إلى تعديل دستوري، صعب التحقيق.
إعتبارات «الخماسي»والأرجح أنّ توقيت هذا المعطى الجديد في الملف الرئاسي، يتزامن مع الكلام عن استعداد المجموعة الخماسية التي التقت في باريس، لعقد لقاء جديد هو الثاني لها لمتابعة البحث في الملف الرئاسي، وسط اعتبارات أساسية تحكم الملف، يعددها أحد المتابعين للحراك الدبلوماسي لهذه الدول، ويختصرها بالآتي:
– إنّ الرهان على تعديل نوعي قد يطرأ على موقف المملكة السعودية، لا يزال في غير محله، وقد أبلغ أكثر من مسؤول سعودي، بعض السياسيين اللبنانيين بأنّ الرياض لا تزال على موقفها من الاستحقاق الرئاسي، بمعنى أنّها لم تبدّل في شروطها، وإلا فليتحمل اللبنانيون النتيجة والمسؤولية. وبهذا المعنى يرى هؤلاء أنّ فرصة سليمان فرنجية لا تزال مطوّقة بدفتر الشروط السعودي.
وثمة من يرى أنّ وجود دفتر الشروط هذا، لا يعني أنّ فرنجية مدرج على لائحة المملكة السوداء، وطالما أنّ أبواب الاستحقاق لم توصد، فهذا يعني أنّ منافذ المفاوضات لم تقفل.
– إنّ موقف ممثلة الإدارة الأميركية في اللقاء الخماسي، كان أكثر تعبيراً من موقف السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا التي ترفض الانخراط في لعبة الأسماء سلباً أو ايجاباً، فيما الأولى بدت أكثر حزماً في تحديد خيارات إدارتها.
– ثمة توجّه لدى هذه الدول لكي تكون نتائج الاجتماع الثاني، والذي لم يحدد بعد مكان انعقاده، أكثر حسماً من خلال الإستعانة بالعواقب التي تهدد بها هذه الدول للجم المعرقلين. ومع ذلك، ثمة من يعتبر أنّ التهويل بالعقوبات أو بالعواقب، قد لا يؤتي ثماره ولن يبدّل كثيراً في المشهدية الرئاسية.
والأرجح أنّ استعداد المجموعة للحلقة الثانية من النقاشات، تحت عنوان الضغط هذه المرة، هو الذي يفسّر إخراج نصر الله ترشيح سليمان فرنجية إلى العلن في هذا التوقيت بالذات، ليدشّن جولة جديدة من الكباش الرئاسي، لا يوحي أبداً بمناخات تسووية، بدليل مسارعة السفير السعودي وليد البخاري إلى التغريد قائلاً إنّ «ظاهرة التقاء الساكنين في الاستحقاقات البنيوية تقتضي التأمل لتكرارها نطقاً وإعراباً، وخلاصة القول هنا: إذا التقى ساكنان فيتم التخلص من أولهما؛ إمّا حذفاً إذا كان معتلاً، أو بتحريك أحدهما إن كان الساكن صحيحاً».
وفُهم من هذه التغريدة، أنّ قاعدة الترشيحات لا تزال وفق السعودية، بمثابة التقاء ساكنين، أي أنّها لا تنتج تسوية…