
إنعقدت برعاية مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية
ندوة فكرية في مركز الصفدي الثقافي بطرابلس، حول كتاب “المأزق اللبناني، من الدولة المؤجلة إلى الدولة الفاشلة”، لمؤلفه الدكتور عاطف عطيه
وحضر الندوة الدكتور وليد داغر مدير جامعة المدينة ممثلا النائب فيصل عمر كرامي، الأستاذ كمال زيادة ممثلا النائب اللواء أشرف ريفي، السفير السابق الدكتور خالد زيادة، رئيس مصلحة مياه لبنان الشمالي الدكتور خالد عبيد، رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانيين الفرنسيين انطوان منسى، القاضي نبيل صاري وحشد من الهيئات الثقافية والجامعية ومهتمين.
في الإفتتاح رحب مدير الندوة العميد الدكتور عبد الله ضاهر بالحضور والمتحدثين.
زريق
وتحدث الدكتور سابا زريق رئيس “مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية” فقال:
تعودُ معرِفتي بالدكتور عاطف إلى ما يناهزُ السبعةَ وعشرين حولاً، عندما كان يَجمَعُ الموادَ لكتابِهِ “لطف الله خلاط، الصَحافةُ بين الدينِ والسياسة”، الذي صدرَ عن دارِ النهارِ للنشر عام 1999، عندما شرَّفَني في مكتبي في بيروت لمراجعةِ أعدادٍ قديمةٍ بحوزتي لجريدةِ الحوادثِ الطرابُلسية، التي كان لطف الله خلاط صاحبَ امتيازِها، والتي توّلى جَدّي، شاعر الفيحاء، رئاسةَ تحريرِها لسنواتٍ عديدة.
أضاف: لمستُ خلال محادثاتِنا المقتضَبةِ آنذاك جِدّيتَهُ في العملِ البَحثي. وشاءَتِ الأيامُ أن نلتقي مذذاك في مناسباتٍ ثقافيةٍ عديدة، إلى أن عَهَدَ، عام 2022، إلى مؤسسةِ شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية أمرَ إصدارِ كتابِهِ “حملَ نفسَهُ ورَحَل”؛ تلاهُ كتابٌ آخرُ صدرَ عام 2023 عن المؤسسةِ نفسِها، هو “أُفُقٌ يضيعُ بين ماءٍ وسَماء”. ومن ثم توطَّدَتْ أواصِرُ علاقتي بالدكتور عطية عبرَ لقاءاتٍ في محاضراتٍ ونَدَوات.
وتابع: بمراجعةِ عناوينِ الكُتُبِ التي ألّفَهَا، نرى أنه أعطى الأنثروبولوجيا حَقَّها، إذ تصدّى في كتاباتِهِ، بشموليةٍ واضحة، إلى أوجُهِها المتنوِّعة، تعالجُ أبحاثاً في العلومِ الإجتماعية بثقافاتِها وتَطَوُّرِ الإنسانِ فيها، مع عودةٍ في بعضِها إلى حضاراتٍ قديمةٍ وتنظيمٍ لمجتمعاتِها وإبرازِ الأركانِ المؤثِّرةِ في حياتِها، كما وفي تفاعُلِ البيئاتِ المختلِفةِ التي نشأتْ فيها، دون إهمالِ مفاهيمِ السلطةِ وتشابُكِها مع الطائفةِ والدين.
وقال:”المأزقُ اللبناني مِن الدولةِ المؤجَّلَة إلى الدولةِ الفاشلة”. قرأتُ في هذا المؤلَّفِ الجديد سَرداً غيرَ مملٍّ لتاريخِ لبنان الحديث، يعكِسُ بصِدقٍ وموضوعيةٍ تسلسُلَ الأحداثِ ويُضيئُ بجُرأةٍ على شوائبِ نِظامِنا السياسي. وسوف أتناولُ في الوقتِ المُتاحِ لي هذه الناحيةِ من الكتاب.
ولن أبالغَ إلى حدِّ وصفِ عاطِف عطية بأنه من العرّافين، مكتفياً بوصفِه أنه رؤيويٌّ وواقعيّ؛ إذ يوحي كتابُهُ “الدولة المؤجَّلَة”، الذي أصدرَهُ منذ رُبعِ قرنٍ بأنه استشرفَ الحالَ التي آلَ إليها لبنانُ اليوم. وربما هذا ما لم يُدْرِكْهُ أولياءُ أمرِنا السياسيون أو تقصَّدوا عدمَ إدراكِه. فبنظرِ المؤلِفَ، لم تؤجَّلِ الدولةُ إلا لتصبحَ فاشلة. وإن دلَّ ما توصَّلَ إليه د. عطية في بحثِه على شيء، فهو يدُلّ، في مِضْبَطَةِ اتهامٍ غير مستتِرة على تقاعُسِ السُلُطات، التي تعاقبَتْ علينا منذ بدايةِ الإستقلال، في إرساءِ دولةٍ تؤمِّنُ للمواطنينَ استقراراً مستداماً. وبدلاً من ذلك، هم أَعْمَلوا أنيابَهُم الملطَّخة بالدّماء في سبيلِ تأجيجِ الطائفيةِ المَقيتة والمذهبيةِ الأمقَت، مفَوِّتينَ علينا جميعاً الفُرصةَ تَلوَ الفرصةِ لننعَمَ بالهناءِ وطِيبِ الحياة.
وكم سُرِرْتُ بتحليلِهِ للنتائجِ العملية، على الأرض إذ صحَّ التعبير، وكذلك للنصوصِ الدستورية وغيرها، للإتفاقينِ الملتَبِسَين اللذين عُقِدَ أولُهُما في الطائف، وثانيهِما في الدوحة، في ظلِّ أحداثٍ استُثيرَتْ فقط لبلوغِ النتائجِ العقيمة التي استولدَتْها. ولو تَوفَّرتِ النياتُ الحَسَنَةُ عند أصحابِ القرار، لما كنا نحتاجُ طائفاً أو دوحة، ولكان الإتفاقُ تمَّ تحت قُبَّةِ برلمانِنا، دون أن يغادرَ أيُّ سياسيٍ أرضَ الوطن. غير أن هذه النياتِ لم تتوفَّرْ يوماً. ولا داعي للإسهابِ في دعمِ ما أُدلي به، أو ما سبقَ أن أدلى به مؤلِّفُنا في كتابِه. وبإيجازٍ كليّ ألخّص:
إن اتفاقَ الطائف لم يَحُلْ دون استمرارِ التَّقاتُلِ بعد حينٍ من الزمن، كما وأن الاتفاقَين المذكورَين كرَّسا الطائفيةَ والمذهبيةَ وأثبتا أن شعارَ الرئيسِ الشهيد رفيق الحريري، المستنِد إلى وجوبِ “وقفِ العَدّ”، لم يكُنْ إلا نَظَرياً. إن لوثةَ هاتَين الآفتَين تغلغلَتْ في أبدانِ اللبنانيين فاستفحَلَ شَرُّهُما. والكلُّ يعلَمُ أننا اليوم لسنا بأفضلِ حالٍ على ما كنا عليه قبل إبرامِهِما. ولا يُغرَّنَّ الإصرارُ على ما يُسمّى بـ “المناصفة”، الذي أُثيرَ مجدداً، ومؤخَّراً بمناسبةِ الإنتخاباتِ البلدية، كدليلٍ على غَيرةِ بعضٍ من اللبنانيين على البعضِ الآخر من غير مِلَّتِهِم. فالكلُّ يصرِّحُ بما لا يضمُرُه. وتبرزُ هنا جُرأةُ د. عاطف في الإفصاحِ عن هذه الحقيقة، التي كشفَتْها ممارساتُ وارتكاباتُ أهلِ السلطة. وكلُّ ذلك أدّى إلى الإلتباس في الإنتماءِ الوطني الذي ما برحَ يَجنَحُ إلى انتماءاتٍ سخَّرَتِ الأديانَ لتحقيقِ مآربِها الدنيئة، والأديانُ منها بَراء.
لا تسمحُ لي مناسبتُنا اليوم أن أزايدَ على ما جاءَ في الكتاب؛ أو أن أسائلَ د. عاطف في موضوعِ اختيارِ عُنوانٍ لكتابِه؛ غير أني أتساءلُ إن كان للبنانَ في يومٍ من الأيام دولةٌ مكتمِلةُ الأوصاف، لكي يتَّهمَها المؤلِّفُ بأنها أُجِّلَتْ تمهيداً لإفشالِها. يَعبَثون بالدستور وكأنه نصٌ إنشائي. يعدِّلونَ في بُنودِهِ على هوَاهُم لإرضاءِ مصلحتِهِم الذاتيةِ الآنية، وهم متيقّنونَ من عدمِ جدوى أي تعديلاتٍ على المدى الطويل. كما ويستخِفّونَ بِذَكاءِ المواطنِ بإضافةِ في كلِّ مرةٍ نصٍ على مِنوالِ أن التعديلَ يأتي “لمرةٍ واحدةٍ فقط”. وهم كذلك يتَفَنَّنونَ في إقرارِ قوانينَ للانتخاباتِ النيابية، غريبة عجيبة، يُلبسونَها في كلِّ استحقاقٍ انتخابي ثوباً جديداً، لا يغطّي أجسادَهم بل يعرّيها ويَكشِفُ عَوراتِهم.
في كلِّ خُطوةٍ خَطَوْها أضعفوا الكِيان وحتماً ليس الدولة التي لم ترَ النورَ يوماً. قرّرتُ عدمَ الإطالةِ في كلمتي ولو أن في جَعبتي الكثيرَ الكثيرَ ليُقال. ولا يبقى لي سوى التضرُّعِ إلى المولى عزّ وجلّ أن يُلهِمَ أربابَ السُّلطةِ الجديدةِ الواعِدة لتتَّخِذَ كافةَ الإجراءاتِ اللازمة لتقليصِ الفشلِ الذَّريعِ الذي نحن في خِضَمِّه ولإرساءِ الأسُسِ الصّلبةِ لدولةٍ حقيقيةٍ عصرية، ترعى شؤونَ مواطنيها وتؤمِّنُ لهم الإستقرارَ وراحةَ البال. وعليَّ كذلك أن أتطفَّلَ على ربِّ العالمينَ في تضرُّعي لكي يقومَ أولاً بأول بكفِّ يدِ المُرتكبين بحقِّنا جميعاً، ويَمنَعَهُم من عرقلةِ مسيرةِ الأملِ التي تلوحُ معالِمُها الإنقاذيةِ في أفُقِ الفجرِ الجديد.
أخي د. عاطف،
شكراً جزيلاً لك على الإضاءاتِ المميزةِ التي احتواها كتابُك، وإلى مزيدٍ من التألُّقِ إن شاء الله.والسلام
الحلوة
ثم تحدث الدكتور مصطفى الحلوة نائب رئيس الإتحاد الفلسفي العربي فقال: كتاب جديد طلع به الباحث المجدّ في السوسيولوجيا الدكتور عاطف عطية منتصف العام 2024، وهو بمنزلة جزء ثانٍ له كان قد أصدره قبل ربع قرن بعنوان: “الدولة المؤجلة /، دراسة في معوقات نشوء الدولة والمجتمع المدني في لبنان. ولربما سنكون على موعد مع جزء ثالث، إثر التطورات الدراماتيكية التي تعصف بالمنطقة، متمثلة في سقوط النظام السوري الاسدي الذي إستمر سحابة 54 سنة، وفي حرب إسناد غزة التي أطلقها حزب الله وأسفرت عن تقهقره محليا وإقليميا، وفي عودة الحياة الدستورية إلى الإنتظام لبنانيا بإنتخاب العماد جوزيف عون، رئيسا للجمهورية وتشكيل حكومة برئاسة القاضي نواف سلام والقيام ببعض الخطوات التي تؤثر على إنطلاق لبنان في مسيرة التعافي.
اضاف: هذه المستجدات الجيوسياسية المتسارعة لا بد أن تشكل حافزا لباحثنا الدكتور عطية كي يكمل مشواره مع الدولة الفاشلة وقد حذر من الوصول إليها في المدى المنظور.
وتساءل: هل تكبح هذه التطورات إندفاعة الدولة بإتجاه المشهدية التي رسمها الباحث عطية بواقعية مشوبة بالتشاؤم، فتطوي صفحة الدولة الفاشلة، لتكون إزاء عهد جديد واعد، يعيد إلى الأذهان الحقبة الشهابية، نهاية الستينات ومطلع السبعينات من القرن الماضي أم ان الأمور اكثر تعقيدا، إذ أن العطب البنيوي الذي يعتور نظامنا السياسي عصيّ على التغيير أو الإصلاح مما يستدعي ثورة لا تبقي ولا تذر؟
عطية
وكان لمؤلف الكتاب الدكتور عطية تعقيب أظهر المفاصل الأساسية التي انبنى عليها الكتاب، وما آلت إليه الأمور من خلال التطبيق العملي للسياسة اللبنانية. كما أكد أن تأجيل قيام الدولة اللبنانية الحديثة القائمة على المواطنة والديموقراطية والمساواة بين المواطنين جاء عن وعي وعلم ومعرفة من زعماء السياسة اللبنانية منذ بداية الاستقلال . كما أظهر مقترحًا يمكن أن يخلص لبنان من براثن الطائفية، ويبدأ بوضع نظامه السياسي على السكة الصحيحة، وإن على مراحل.. وفي نهاية الندوة تدخّل بعض المشاركين لابداء آرائهم في ما قيل.