كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
يعوّل مرشحون على الدور الأميركي في دعم مرشح للرئاسة أو التفاهم على اختيار رئيس الجمهورية. لكن، بقدر ما يكبر الرهان على تدخّل قريب، لا يظهر أن لدى واشنطن أيّ خريطة طريق للرئاسة.
يرمي مرشحون ثقلهم الرئاسي على دعم واشنطن لوصولهم الى سدة الرئاسة وعملها لتسويقهم. ويعلّق آخرون الأمل على دعم فرنسي، وسعودي، للدفع نحو مبادرة سريعة لحسم الموقف من الانتخابات. ويتكئ مرشحون غيرهم على موافقة إيران وحزب الله أولاً وآخراً على دعمهم. بين هؤلاء جميعاً، لا يزال الكلام عن الدعم الأميركي متقدماً كمعبر أساسي للوصول الى قصر بعبدا، من خلال التفاهم مع فرنسا والسعودية لإعلان اسم الرئيس المتفق عليه. ويأخذ هذا الكلام طابعاً أكثر جدية حين يصبح تلقّي الدعم مشروطاً بتوافق أميركي – إيراني على شخصية الرئيس المقبل، بما يعكس تفاهماً كاملاً بين واشنطن وطهران على ملفات متقاطعة، تبدأ بالاتفاق النووي وتصل الى لبنان.
هذا الرهان الكبير على الدور الأميركي، وإن كان مسلّماً به، لا يبدو واقعياً من وجهة النظر الأميركية، لأسباب لا تتعلق بالدور الأميركي بالمطلق، بل بطريقة إدارة واشنطن ملف لبنان في مرحلة تتقاطع فيها التحديات الدولية.
لا يتعاطى الأميركيون، وفق مطّلعين على مواقف الإدارة الأميركية، مع ملف لبنان، وليس الرئاسة فحسب، على أنه من الأولويات التي تستدعي مبادرة أو تحركاً بغير ما أنجز حتى الآن في مواضيع محددة تختلف أهميتها، من ترسيم بحري وما تلاه من إطلاق موقوف في ملفّ المرفأ يحمل الجنسية الأميركية. هذه بنود يتراوح تصنيفها تكتيكيّاً واستراتيجيّاً بدرجة متفاوتة لا تصل الى مرتبة استحضار ملف كامل عن لبنان والسير به نقطة تلو أخرى. فما جرى حتى الآن تفاهمات وترتيبات متفرقة، لا تندرج ضمن سيناريو متكامل لمعالجة الوضع اللبناني، ولو أن اللبنانيين يحمّلونها أحياناً أكثر مما تحتمل.
لا تملك الولايات المتحدة خريطة طريق واضحة بالنسبة الى لبنان عموماً أو الانتخابات الرئاسية خصوصاً. والمقاربة مختلفة تماماً عن مرحلة استنفرت فيها واشنطن أجهزتها وعملت على التنسيق مع الأمم المتحدة وفرنسا واستحضرت القرار 1559 وبرمجت أولوياتها وقلبت الرأي العام من أجل الوضع اللبناني. «فعلياً»، لا تجهيز لبنية تحتية وإعداد إحاطة شاملة بالوضع الداخلي، بل ما يتم التعامل به مجرد رعاية للاستقرار، وهذا أمر ليس تكراراً لشعارٍ تتمسّك به واشنطن، ولا يفترض التقليل من شأنه أو اعتباره شأناً عادياً. لكن يبقى إطاره محدوداً بالأمن وبعض الإحاطات السياسية المحلية كي لا تذهب الأوضاع الى انفجار يتفلّت في لحظة غير ممسوكة. وعلى هذه المقاربة العامة، يمكن فهم طريقة التعامل مع انتخابات رئاسة الجمهورية.
هناك مجموعة عناوين يجري الحديث عنها. لا يزال الملف الرئاسي لبنانياً، ولم يصبح بعد ملفاً إقليمياً أو دولياً، وهو غائب عن الطاولة الأميركية كملف أول أو حتى ثانٍ. الأولوية الحالية لواشنطن هي الانشغال بملفات أوكرانيا وروسيا والصين. وهي حتى الساعة لا تزال تتعامل مع لبنان على مستوى إداري عادي، وليس على مستوى مسؤولين من الدرجة الأولى، لناحية رسم استراتيجية كبرى يمكن الدخول فيها مع أطراف إقليميين أو دوليين لوضعها موضع التنفيذ. وهذا يعني أن القيادات اللبنانية لا تزال قادرة على إجراء حوارات في ما بينها للتوصل الى انتخاب رئيس جديد من دون الاتّكال على تدخّل خارجي في اختياره، ما يشكل فرصة داخلية حقيقية يمكن هذه القيادات أن تغتنمها في إدارة ملف الرئاسة، فتكون عامل دفع محلي لمقاربة خارجية، سواء من جانب واشنطن أو غيرها.
تتصرّف واشنطن مع انتخابات رئاسة الجمهورية، ومع المرشحين المتداولة أسماؤهم علانية أو في الكواليس، كما تصرّفت مع اختيار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي لم تكن مرحّبة بانتخابه. أي بحكم الأمر الواقع لا أكثر ولا أقل. هذا الموقف لا يعكس أداءً سلبياً بقدر ما يعكس حياداً مطلقاً حيال كل ما يطرح في شأن الرئاسة في الوقت الراهن، سواء بالنسبة الى توقيت الانتخاب أو هوية المرشح الذي سيصبح رئيساً. هذا لا يعني أنها لا تعرف المرشحين وظروف دعمهم الداخلي والخارجي ولا تفضّل في المطلق أحدهم على الآخر، لكنها تتعاطى بواقعية مع أيّ من المطروحين الذين تعرف تاريخهم وقدرة كل منهم على التعامل مع الأزمات المتراكمة من كل جوانبها. لكن ما تعرفه كذلك، وتريده، هو تمكّنه من السير بمشروع إنقاذ اقتصادي وهذا ما تعوّل عليه. إذ إن هناك إشارة قوية بضرورة تسريع الانتخابات للإتيان برئيس يباشر فوراً العمل على خطة إنقاذية ويبدأ المفاوضات مع صندوق النقد ومقاربة الملفات الاقتصادية، وليس رئيساً ينتظر مشاورات داخلية وخارجية من أجل إدارة الأزمة، لأن لبنان بالنسبة إلى الأميركيين لم يعد يحتمل مزيداً من الانتظار لحلّ مشاكله الاقتصادية والاجتماعية، ما يضع أمام القوى السياسية مهمة مقاربة الانتخابات برؤية جديدة لا مجرّد التوافق على أي رئيس من أجل إدارة أزمة ستولّد حكماً أزمات جديدة.