شعار ناشطون

خالد يوسف : السينما النظيفة تعبيرٌ صادق عن مشروع الهزيمة

30/01/25 12:38 pm

<span dir="ltr">30/01/25 12:38 pm</span>

دخل المخرج المصري خالد يوسف عالم الفن من باب السياسة. فالفن والسياسة عنده يتقاطعان وينبعان من معين واحد هو “الناس”. هو مخرجٌ مهمومٌ بالقضايا العربية. في العام 2001 كتب وأخرج أوّل أفلامه “العاصفة”، متناولاً حرب العراق والكويت، لأنّ الصراع بين بلدين عربيين شكّل “جرحه الغائر”؛ هو الذي تربّى على مبادئ القومية العربية.

 

وما حدث في غزة ولبنان على مدار أكثر من عام، ترك أثره إلى حدّ أنه توقف عن استكمال مشروعاته الفنية، ومنها مسلسل وفيلم تعاقد عليهما. وهو يعترف بأنه لا يقدر على أن ينفصل عن الواقع وتداعياته، ممّا يؤثر على شغفه وتركيزه الذهنيّ.

 

عن انشغاله بالهمّ العام وإيمانه بالإبداع طريقاً للتغيير، وعن أعماله الجديدة ومواضيع كثيرة أخرى، تحدّث المخرج خالد يوسف إلى النهار” في مكتبه في القاهرة، وكان هذا الحوار:

 

 

 

عالجت القضايا السياسية والقومية ضمن أعمالك، فهل أنت متيقّن من أنّ الفن قادر على التغيير وعلى إقناع الضمير العالمي بقضايانا المحقّة؟

بُحّ صوتي منذ سنوات وأنا أنادي بضرورة دعم القوى الناعمة عبر رأسمال عربي. يجب أن نسعى اإلى إيصال صوتنا. وللأسف، الدماء التي نزفت في غزة على مدار أكثر من عام هي التي أقنعت جزءاً من الضمير العالمي.

جنوب أفريقيا نموذج ملهم، إذ تحررت بنضال أهلها وإقناعهم الضمير العالمي عبر القوى الناعمة. قضيتنا الفلسطينية أكثر عدالة، لكنّ الحقائق لا تصل إلى الأغلبية، إذ تسود السردية الإسرائيلية التي كرّسها اللوبي الصهيوني، فلا يوجد فيلم يناصر القضية الفلسطينية يشارك في المهرجانات الكبرى، لكن يمكننا برأسمال قويّ اقتحام الأسواق الأوروبية والأميركية والآسيوية، وصناعة أعمال على المنصّات الرقمية وبثّ قنوات بلغات مختلفة.

 

 

 

هل من الأفضل أن يبقى الفنان ملتزماًَ بقضايا مجتمعه أم بفنّه فقط؟

هناك مدرستان، أولهما “المثقف العضويّ” المشتبك مع الواقع، والثاني “المثقف غير المشتبك”، وأهمّ تجسيد لهذه المدرسة هو “نجيب محفوظ”. أنا شخصياً أنتمي إلى مدرسة المثقف العضوي، وأرى أن رفاهية “الفن للفن” لا تتلاءم مع مجتمعاتنا؛ لذا اشتبكت مع الواقع بالأفلام، وليس فقط بسلوكي الشخصي، طارحاً إشكاليات الواقع والأسئلة الكاشفة عن التدهور الاجتماعي والسياسي.

 

 

 

خلال الفترة الأخيرة، استندت في أعمالك إلى نصوص أدبية مثل “سره الباتع” ليوسف إدريس، و”الإسكندراني” لأنور عكاشة. هل الأدب أوجد مساحةً أوسع لطرح رؤيتك؟

سلاح الأدب مهم، ولا بدّ من حضوره. عندما تعتمد على رواية بديعة ستتوافر ضمانة المستوى الجيد. وأعتقد أنّ ثمة ضرورة للتحريض على قراءة الأدب العربي وتقديمه للسينما. وأنا لديّ رأي قد يبدو صادماً في هذا الإطار؛ فأنا أعتقد أنه إلى الآن لا يوجد أي فيلم عبّر عن عمق أدب نجيب محفوظ الذي قام بتشريح المجتمع اجتماعياً وسياسياً وثقافياً وجنسياً، فالجميع قدّموا الحدوتة المسلّية، ولم يقتربوا من العمق؛ فروايات محفوظ وإدريس وغيرهما تستوجب الانتباه ويتصدّى لها من يدرك عمقها.

 

 

في “سره الباتع” قدّمت معالجة عصرية، مزامناً بين مقاومة الاستعمار الفرنسي والثورة ضد جماعة الإخوان والتيارات المتطرفة… أين أوجه الشبه ولماذا؟

أرى أن الاحتلال الوحيد الذي أراد تغيير الهوية المصرية على مدار تاريخها هو الفرنسي الذي أراد “فرنسة” مصر، والإخواني الذي أراد “أخونتها”، فهما “احتلالان” أرادا تبديل ملامح الشخصية والثقافة المصرية، فاستوقفتني هذه المقاربة فصنعتها.

 

 

 

السوشيال ميديا وضعت الفنان تحت المجهر، وأصبحت أرقام التفاعلات والشير بمثابة عقل جمعي يوجه الرأي العام… ما تأثير ذلك على الأعمال الفنية؟

أثرت هذه المواقع في حياتنا وليس في الفن فقط. هذا التأثير قد يكون إيجاباً وسلباً، فالمواقع فتحت نوافذ معرفية جديدة للتعرف على العالم، وسلبياً بصنعها فواصل اجتماعية وعلاقات وهمية، فصار ممكناً “اختلاق” قصة نجاح عمل عبر حملات ترويجية تشيع أنه “مكسّر الدنيا”، وترويج نجاح مزيّف أو ليس حقيقياً بشكل كامل، بإيهام العقل الجمعي أنه ناجح ويتوجب مشاهدته، فيسير البعض وفقاً لفلسفة القطيع.

 

 

لم ترفع يوماً شعار السينما النظيفة… أترى أن هذا الاتجاه ما زال مسيطراً على صنّاع السينما؟

أي أمة تعيش مشروع هزيمة تجنح إلى المحافظة، وتتمسّك بقشور الدين ومظاهره الخارجية، وبطرح الأسئلة التافهة، وتقلب الدنيا رأساً على عقب بسبب بعض الفتاوى الفقهية وخلافات الفقهاء. أمّا الأمة صاحبة “مشروع النهضة” فتطرح الأسئلة الكبرى، والسينما النظيفة هي تعبير صادق عن مشروع الهزيمة التي تعيشها المجتمعات العربية. إذا امتلكنا مشروعاً حقيقياً فسنبحث عن الفنّ الجادّ والأسئلة المهمّة التي يطرحها، ولن نختصره في مشهد عابر يرونه خارج إطار السينما النظيفة.

 

تتلمذت على يد يوسف شاهين، ولازمته فترة طويلة فهل كان الانفصال عنه صعباً؟

شاهين ليس أستاذي والأب الروحي فقط، لكنه اكتشف موهبتي بعين الخبير، فلولاه بعد الله ما كان خالد يوسف؛ لم أحلم أن أصير مخرجاً، بل هو من نبّهني إلى أن “حكاياتي مرئية” وأمتلك مواصفات السينمائي، وظلّ سنوات محاولاً إقناعي بالعمل في الفن.

 

أعمال شاهين قد تبدو غير مفهومة للجمهور، بخلاف أعمالك الواضحة… ما سرّ التباين بين الأستاذ وتلميذه؟

لأنني قادم من شارع السياسة إلى الفن، ولم أخسر أيّ انتخابات يوماً؛ ذلك لإجادتي مخاطبة الجماهير والوصول إليها، أمّا شاهين فهو قادم من مدرسة الفن. لم يمارس السياسة ولم يعرف كيفية مخاطبة الجماهير، بينما أحرص على حساب درجات التلقي لأعمالي من كافة فئات المجتمع من البواب والفلاح وحتى إدوارد سعيد “رحمه الله” وما بينهما. ولو قلّدت شاهين لأصبحت مسخاً منه، لكنه علّمني التكنيكات، وأرشدني إلى أن أكون نفسي.

 

 

 

تستعيد السوشيل ميديا فيديوات لفنانين يرون أن شاهين لا يستحقّ المكانة التي بلغها.. ما تعليقك؟

الذي يرَى ذلك أصنّفه قليل الفهم، فبعد مرور مئة عام، إذا تبقى شخص نختصر به تاريخ السينما فسيكون “شاهين”؛ فهو المخرج الوحيد الموسوعي في تاريخ السينما العربية، إذ عرج على كلّ أنواع الدراما السينمائية، فصنع فيلماً موسيقياً متكاملاً هو”بياع الخواتم”، وأهمّ فيلم تاريخيّ “الناصر صلاح الدين”، أما المخرجون الآخرون مثل بركات أو كمال الشيخ أو صلاح أبوسيف فأراهم عظماء، لكن لكلّ منهم “الستايل” الذي لم يخرج عن إطاره. ولو بقي معه مخرج آخر فسيكون عاطف الطيب، وهو الأقرب لي، رغم أن الطيب ليس أعظمهم في التكنيك، لكنه الأصدق وصاحب المشروع السينمائي المكتمل، إذ ظلّ يدافع عن فكرة عدم تآكل الطبقة الوسطى في كلّ أفلامه حتى الرومانسية منها.

 

 

 

وما العمل الأهم لشاهين برأيك؟

“إسكندرية ليه” لكونه أصدق أفلامه، وقدّمه بشفافية، حاكياً عن نفسه، وصانعاً إياه بطفرة تكنيكية؛ وأرى أنه أعلى سقف له في الإبداع، ولم يستطع تجاوز هذا السقف في أفلامه التالية

تابعنا عبر