ملاك عقيل – اساس ميديا
يَجزم أهل القرار “المَحلّي” في لبنان بدءاً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الثنائي الشيعي والنائب السابق وليد جنبلاط أن لا تمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. أمّا أميركياً وأوروبياً فالمسألة محسومة: هي آخر أيام رياض في الحاكمية، لكن من دون نزع غطاء “الحماية” عنه، وتحديداً من الجانب الأميركي.
لم يَعد السؤال فعليّاً: هل يُمدَّد للحاكم؟ بل ماذا سيحصل بعد خروجه نهائياً من مقرّ مصرف لبنان المركزي؟
في حديثه الأخير إلى الزميلة “الأخبار” أكّد الرئيس برّي أنّه “أوعز إلى نائب الحاكم وسيم منصوري عدم تسلّم صلاحيات الحاكم في حال شَغر منصبه”.
جَزَم برّي بصيغة زوّاره، من دون أن يَصدر نفي من عين التينة، أنّ منصوري “لن يستقيل لكنّه لن يتسلّم الحاكمية، وأكّدتُ له على ذلك تفادياً لتحمّل مسؤولية كلّ ما يترتّب على الحاكمية”، قائلاً: “لا يمكن إلا أن يُعيّن ماروني لحاكمية مصرف لبنان”.
طلب غير قانونيّ
بِلغة القانون طَلَب برّي من نائب الحاكم الشيعي مخالفة المادة 25 من قانون النقد والتسليف التي تنصّ بكلّ وضوح: “بحال شغور منصب الحاكم يتولّى نائب الحاكم الأول صلاحيات الحاكم ريثما يُعيّن حاكم جديد”. الشغور بهذا المعنى يشمل السفر، المرض، الوفاة، الاستقالة، وانتهاء الولاية.
يُشبِه كثيراً طَلَب برّي من نائب الحاكم الأول صراحةً مخالفة القانون طلبه من ميقاتي الإبقاء على التوقيت الشتوي خلال شهر رمضان وقوله لرئيس الحكومة “وبعدين مشّيلون ياها” (السير بالتوقيت الدولي بعد نهاية رمضان)، وهو ما فَرَض على الرئيس ميقاتي التراجع عن قراره غير المنطقي والمُخالِف للقانون والمُستفِزّ.
تردّدت معلومات صحافية عن لقاء جَمَع قبل أيام منصوري مع الرئيس ميقاتي لإبلاغه بنيّته الاستقالة في حال عدم تعيين حاكم جديد، فإنّ معطيات “أساس” تؤكّد أنّ هذا الأمر لم يحصل
سلامة لن يستقيل
وفق معلومات “أساس” وعلى الرغم من الدعاوى القضائية التي تُحاصِر سلامة داخلياً وخارجياً واحتمال توجّه القاضية الفرنسية Aude Buresi إلى الادّعاء على “الحاكم” بعد مثوله أمامها في 16 أيار المقبل، لا قرار لدى الحاكم بالاستقالة أو قيام حكومة ميقاتي بإقالته. هي سابقة في التاريخ الحديث لحاكم مصرف “مُشتبه به” ومطوّق بدعاوى اختلاس وتبييض أموال، ومع ذلك يبقى ثابتاً في موقعه متحكّماً بكلّ مفاصل الدولة المنهارة.
خياران فقط
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس”: “هناك خياران لا ثالث لهما. سلامة سيُكمّل ولايته حتى آخر يوم ولن يُمدَّد له. سيترافق ذلك مع حصول مفاوضات في الكواليس، وهي بدأت فعليّاً، موصولة بمفاتيح الخارج للاتّفاق على شخصية مارونية تخلف رياض سلامة في الحاكمية. الغطاء المسيحي للتعيين ضروري ربطاً بكون الموقع نتاج خيار رئاسة الجمهورية”.
فعليّاً، ستكون القوى المسيحية أمام استحقاق دقيق وصعب. فإمّا التوافق على اسم الحاكم وتأمين التغطية الطائفية في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، وإلّا يُسلَّم نائب الحاكم صلاحيات الحاكم.
في هذا السياق يأتي الخيار الثاني في حال عدم الاتفاق أو إصرار القوى المسيحية على عدم التعيين كي لا يُلزَم رئيس الجمهورية المقبل بـ “حاكم” لم يكن له أيّ رأي في اختياره.
الخيار الثاني هو “تولّي نائب الحاكم الأول الشيعي صلاحيات حاكم مصرف لبنان تطبيقاً لنصّ المادة 25 من قانون النقد والتسليف في حال لم يتمّ انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة أصيلة قبل نهاية ولاية الحاكم في تموز المقبل”.
تؤكّد معلومات “أساس” أنّه على الرغم من موقف بري المُعلَن القاضي بعدم قبوله بتسلّم منصوري صلاحيات الحاكم فإنّ هذا الأخير لم يُبلِّغ أيّ مرجعية، ولا سيّما رئاسة الحكومة، نيّته تقديم استقالته في حال عدم تعيين حاكم جديد، وحتى إنّ مفهوم الاستقالة غير وارد لدى الرجل. كذلك لم يُبلَّغ من جانب برّي بتقديم استقالته.
وفيما تردّدت معلومات صحافية عن لقاء جَمَع قبل أيام منصوري مع الرئيس ميقاتي لإبلاغه بنيّته الاستقالة في حال عدم تعيين حاكم جديد، فإنّ معطيات “أساس” تؤكّد أنّ هذا الأمر لم يحصل. مع العلم أنّ المادة 27 من قانون النقد والتسليف تشير إلى أنّه “بحال غياب الحاكم أو تعذّر وجوده يحلّ محلّه نائب الحاكم الأول، وبحال التعذّر على الأوّل فنائب الحاكم الثاني، وذلك وفقاً للشروط التي يحدّدها الحاكم. وبإمكان الحاكم أن يُفوّض مجمل صلاحياته إلى من حلّ محلّه”. فيما لا إشارة في القانون نفسه للنائبين الثالث والرابع اللذين كُرّسا ضمن سياق المحاصصة الطائفية لا أكثر.
يُذكر أنّ نائب الحاكم الثاني هو بشير يقظان من الطائفة الدرزية، ونائب الحاكم الثالث سليم شاهين (سنّي)، والرابع ألكسندر موراديان (أرمن كاثوليك).
وفق معلومات “أساس” وعلى الرغم من الدعاوى القضائية التي تُحاصِر سلامة داخلياً وخارجياً واحتمال توجّه القاضية الفرنسية Aude Buresi إلى الادّعاء على “الحاكم” بعد مثوله أمامها في 16 أيار المقبل
تعيين واعتذار
بدأ مسار الأحداث يفرض تسليط الأضواء على نائب الحاكم وسيم منصوري بنفس منزلة الأضواء المُسلّطة على رياض سلامة. كلّ من يعرف الدكتور منصوري يجزم أنّه أبعَد الشخصيات العاملة في الحقل المالي والقانوني عن المناخات الطائفية والتسييس حتى لو عُيّن بضوء أخضر من عين التينة. ينقل بعض عارفيه عنه أنّه حين بدأ التداول باسمه كنائب أوّل للحاكم ضمن سياق المحاصصة الطائفية لم يتردّد بالقول: “اكتشفت أخيراً أنّي شيعيّ”. حتى إنّه خطّ كلمات لم ينشرها قال فيها: “أعتذر منك وطني لأنّني لم أستطع أن أرتقي إلى مستوى المواطن”.
ابن عيترون الجنوبية، الذي ترعرع في طرابلس (والدته من طرابلس)، هو أستاذ جامعي صاحب مكتب “منصوري وشركاه للمحاماة” الذي يلجأ إليه الأضداد في السياسة والإعلام و”البيزنس”. عضو مستشار في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي وصاحب لقب “شخصية العام” في جامعة مونبلييه الفرنسية.
لا صبغة حزبيّة
محامي نبيه برّي لا صبغة حزبية له ولا يمشي بإملاءات أيّ مرجعية سياسية و”ناشط” في علاقاته المالية في الخارج. “مواصفات المرحلة” المطلوبة دولياً فرضت على برّي الذهاب نحو خيار “نَوعيّ” لا يُشبِه الخيارات السابقة لعين التينة في عالم المال والسياسة.
لم تُرصَد علاقة لمنصوري مع الحزب، ومكتبه في الحاكمية إلى جانب مكتب الحاكم يستقبل الجميع من دون تمييز. لا تواصل مع الإعلام. ولا مكان للخدمات الخاصة، بل تسهيل أمر كلّ ما هو قانوني. وغالباً ما تُترجم الخدمة الخاصّة إلى تعميم على المصارف، مثلاً في حال كانت تتخلّف عن القيام بما هو مطلوب منها.
التعيين أوّلاً
كلّ من يَعرف منصوري يدرك مدى امتعاضه من المقاربة الطائفية لكلّ الملفّات بما في ذلك مصير الحاكمية بعد رياض سلامة. لا خوف لديه من تحمّل المسؤولية. مع ذلك لا رغبة إطلاقاً للرجل بأن يأخذ مكان الحاكم، ويدعو في مجالسه الخاصة إلى ضرورة تعيين حاكم في مجلس الوزراء لأنّ الوضع لا يحتمل ترقيعاً.
نظراً للظروف الدقيقة والحسّاسة لا يرغب منصوري بصبّ الزيت على النار، خصوصاً أنّه وفق المصطلحات الطائفية فإنّ حلول شيعي مكان “الحاكم الماروني” سيعرّضه لضغط كبير يؤثّر على إنتاجيّته.
ينقل عارفوه عنه قوله: “إذا بدّي استلم ثم يحاربني نصف اللبنانيين كيف بدّي اشتغل؟ أنا لست طائفياً وأؤمن باستمرار المؤسّسات. وأتحدّى خلال سنتين ونصف أن يقول أحد أنّني تصرّفت بخلفية حزبية أو فئوية أو تلقّيت تعليمات من أحد. حتى الرئيس برّي لم يتدخّل يوماً في عملي”.
لكن ماذا لو فرضت الظروف الاستثنائية على وسيم منصوري الحلول مكان “الحاكم الماروني” في سابقة قد تدخله التاريخ؟ لا جواب لدى نائب الحاكم الأول. لكنّ الوقائع السياسية تُبقي الأمور مفتوحة على كلّ الاحتمالات.