ليا القزي – الاخبار
التحدّي الأساسي أمام مصرف لبنان، وباقي الجهات الرقابية، ليس التأكّد من زيادة رساميل المصارف بنسبة 20% أو تأمينها سيولة بـ3%، بل التزامها بشرط إعادة 30% من قيمة الأموال المُحوّلة من قبل أصحاب المصارف وكبار الموظفين والمُساهمين والأشخاص المُعرضين سياسياً. عدم الاستجابة يعني اعتراف أصحاب المصارف بإفلاسها، ويوجب الادعاء عليها بموجب قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
هذه المادّة هي «الامتحان الحقيقي» الذي يواجهه المجلس المركزي لمصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، وهيئة التحقيق الخاصة، والهيئة المصرفية العليا، وهيئة الأسواق المالية. فكلّ هذه الهيئات الرقابية ستبدأ اليوم اجتماعاتها «المُكثّفة» لدراسة ملفات المصارف، للتحقيق في مدى التزامها بزيادة رساميلها بنسبة 20%، وضخّ الدولارات في حساباتها لدى المصارف المراسلة بنسبة 3% (للمصارف مُجتمعة)، واسترداد الأموال المُحوّلة إلى الخارج بين 2017 و2020. الأساسي في المادّة الثانية المذكورة أعلاه، ليس في العملاء الذين يجب أن يُعيدوا 15% من القيمة المُحوّلة، بل أولئك «البارزين» الذين حُدّدت لهم نسبة 30%. فهؤلاء هم أصحاب المصارف والدائرة اللصيقة بهم من كبار المودعين وسياسيين ومساهمين ومديرين رصدوا قدوم «التسونامي» فاستبقوه بتهريب الدولارات من لبنان، أو حوّلوها من حساب المصرف لدى مصارف المراسلة في الخارج إلى حساباتهم الخاصة في الدول الأجنبية. أعضاء «نادي الـ30%» يسهل الوصول إليهم و«إجبارهم» على إعادة الأموال المُحوّلة، وليس الاكتفاء بصيغة «الحثّ» التي لا مفاعيل قانونية لها، وتفتح مساراً قضائياً بوجود من سيُدافع عن نفسه على اعتبار أنّه لم يُقرّ سابقاً قانون يمنع تحويل الأموال، والقوانين لا تكون بمفعول رجعي. الطريقة التي ستُقارِب بها الجهات الرقابية المادّة الثانية تحديداً، ستعكس مدى جدّية مصرف لبنان أو عدمها في «إعادة تفعيل عمل المصارف»، وهي العبارة المُكرّرة في تعاميمه الأخيرة، خاصة أنّ «زيادة الـ20% وسيولة الـ3%، هي أدنى المطلوب من المصارف كالتزامات، في حين أنّ الـ30% تُشكّل التحدّي الأساسي»، بحسب أحد المسؤولين الرقابيين السابقين. غياب القانون لا يُبرّر عدم الالتزام، «لأنّ الدافع يجب أن يكون أدبياً، ولا سيّما من جانب رؤساء المصارف الذين يُفترض بهم إنقاذ مصارفهم واستعادة القليل من ماء وجهها». ويجب التوضيح أنّ «استعادة الـ30% لا تعني ردّ الودائع بالدولار إلى أصحابها، بل تحسين وضعية المصارف قليلاً». لذلك، يعتبر المصدر نفسه أنّ الالتزام «مطلوب بهذا الشرط ويجب أن يكون فاتحة الالتزامات الكُبرى المطلوبة من المصارف»، إلا أنّه يُصوّب على «خللٍ» في التعميم. فإذا كان مصرف لبنان «يعتبر تحويل الأموال عملاً خاطئاً يجب تصحيحه، فلماذا تحديد نسبة الـ30%؟ ولماذا لم يُفرض عليهم استعادة كامل المبالغ المُحوّلة خلال هذه المُهلة؟».
تؤكّد مصادر سلامة أنّ المُخالفين سيُحالون على الهيئة المصرفية العليا
كلّ المصارف أرسلت كُتباً إلى المودعين والمُستوردين «تحثّهم» فيها على تطبيق تعميم مصرف لبنان. «أقل من 1% كانت نسبة التجاوب. لا بل كنا ننصح المودعين، ولا سيّما التجّار، بعدم إعادة دولار واحد إلى القطاع المصرفي، خاصة إذا لم يكن ملفهم مشبوهاً. عدا عن أنّ هناك من استثمر تلك الأموال في الخارج، فما هي الآلية التي سيُطبّقها لإعادة السيولة؟ يبيع الاستثمار؟»، يقول مسؤولون ماليون. أما بالنسبة إلى «نادي الـ30%»، فقرابة أربعة مصارف من فئة «ألفا» أعاد أصحابها «حفنةً» من الأموال لتحسين وضعها.
مصادر مُقرّبة من الحاكم تقول إنّه «لم يطلع بعد على الجداول لمعرفة المصارف التي التزمت أو تقاعست، ولكن التقديرات الأولية تُشير إلى أنّ المبلغ المُجمّع أدنى بكثير من التوقعات التي كان قد حدّدها» (كان سلامة يشيع أن تطبيق التعميم سيعيد إلى المصارف نحو 4 مليارات دولار من الخارج). كيف سيردّ على عدم الالتزام؟ التعميم واضح لجهة الادعاء على غير المتعاونين بموجب قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. عند صدور التعميم، «هدّدت» مصارف رياض سلامة بأنّها ستردّ عليه بالقضاء إن استخدم في وجهها هذا القانون. تؤكّد مصادر سلامة أنّ المُخالفين سيُحالون على «الهيئة المصرفية العليا». هل يوجد قرار بكسر المصارف، وتحديداً «الكبيرة» بينها؟ المسؤول الرقابي السابق يستهزئ بالتهديدات، مؤكداً «عدم وجود قرار بكسر أحد نهائياً».
استعادة 30% من قيمة الأموال المُحوّلة يُفترض بها أن «تُفيد» المصارف وتنتشلها قليلاً من غرقها. عدم استجابة مالكي المصارف، ومساهمتهم في إنقاذ مؤسساتهم، سيُعدّ إقراراً منهم بأنّ مصارفهم مُفلسة ولا أمل من ضخّ فلس واحد فيها.