شعار ناشطون

محاولات الإستثمار بعقارب الساعة مرفوضة –  والإنجرار وراء المخططات المشبوهة جريمة

26/03/23 07:37 pm

<span dir="ltr">26/03/23 07:37 pm</span>

مقال للكاتب والصحافي صفوح منجّد

منذ إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن وقف العمل بالتوقيت الصيفي لغاية شهر نيسان، والتحرك الطائفي والمذهبي البغيض وإثارة النعرات دون التبصّر بعواقبها وإنعكاساتها تجري وتتصاعد من افواه وأقلام إعتادت نفخ الهواء في النيران المتأججة والمندلعة في الهشيم في محاولة مكشوفة وممجوجة لدفع الأوضاع إلى مزيد من التأزم والتمزّق وإفتعال الشرخ بين المكونات التي يقوم عليها ويتألف منها هذا الشعب المسكين الذي لطالما عانى ويعاني من التمترس وراء تلك المفاهيم البالية التي إعتقدنا أنه أصبحت وراءنا وأننا نمضي قدما أحزابا وتيارات وطوائف ومذاهب، نحو “وطن واحد بمنازل كثيرة” كما جاء في مؤلف للكاتب كمال الصليبي حمل العنوان نفسه، فإذا بنا ما زلنا  نعيش في خيم العزلة والتقوقع، وسرعان ما نبدأ  بتراشق الكلام المنبوذ وتبادل الإتهامات وكل يدّعي بأن الآخر يحاول النيل من قناعاته الدينية والمذهبية ومن شعائره وواجباته ويريد منعه من تأديتها.

فالذي جرى ويجري خلال الزيارة التي قام بها الرئيس ميقاتي إلى الرئيس نبيه بري لإعلامه عن قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي، والبلد “يغلي” بين معارض ومؤيد وكل يدّعي بأن الآخر يحاول النيل من قناعاته وواجباته الدينية والمذهبية ويريد منعه من تأديتها.
وطبعا ما أعقب ذلك لم يكن وليد الصدفة فإما هو مُعدّ سلفا على وقع الخلافات المندلعة منذ أشهر وقد جاءت “قضية الساعة” لتفجّر ما تم زرعه في النفوس من أحقاد على إمتداد الاشهر المنصرمة، وإما أن هناك من يتلطّى وراء الأكمّة بإنتظار أن تسنح له الفرصة للإنقضاض على البلد وأهله بهدف عودة الإنقسامات على إختلافها وتطيير المؤسسات أو ما تبقى منها، وإما أن هناك مخططات مشبوهة تهدف إلى تفتيت البلد.

 

ولعلنا في هذه اللحظات المصيرية والتي ندعو فيها أصحاب الرأي السديد والمخلصين لوحدة البلد وأهله للتحرك لمنع إستفحال هذا الحريق الذي في حال إمتداده سيدمرنا جميعا، أحوج ما نكون فيه إلى إستذكار الزيارة التي قام بها البابا بنيديكتوس السادس عشر إلى العاصمة اللبنانية في 14 سبتمبر 2012 مستهلا زيارة تاريخية إلى لبنان إستغرقت 3 ايام ووقّع اثنائها الإرشاد الرسولي الموجه لمسيحيي الشرق حيث وصف قداسة البابا زيارته بأنها أشبه بالحج إلى هذا البلد.

ولا بد أن نستعيد كلامه على أرض المطار حين أكد أن زيارته للبنان “تأتي تحت شعار سلامي أعطيكم” ونطقها بالعربية وشدد على أن التوازن اللبناني يشكل إنموذجا للشرق الأوسط والعالم.. فأين نحن اليوم من هذه الشعارات وهي اشبه بالصلاة في حين نمضي في طريق الجلجلة ونُمعن بتمزيق بلدنا ونتساءل “هل عدنا إلى تلك الأزمنة التي دمرنا فيها الوطن بسبب خلاف أطفال نشأ أثناء لعبة ب”الكلل”، ولا يمكن إستبعاد أننا قد نفتك بأنفسنا لسبب أتفه من ذلك!؟.

وإذا كنا سابقا نتغنى بأن وطننا هو بلد العيش المشترك وبلد الإيمان والأديان فهل ما زلنا نؤمن بتلك الحقائق أم أننا نسعى لتمزيق ما قد كُتب؟ أم أن ما نراه وما نسمعه هي مجرد أوهام ؟ .

 

وثيقة الأخوة الإنسانية: لنقرأ ونتمعّن؟!

 

ولنعد إلى “وثيقة الأخوّة الإنسانية” التي وقعها البابا فرنسيس والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في 4 شباط من العام 2019 في إمارة أبو ظبي، فهل لهذه الوثيقة قيمة كبرى في حياة البشرية وفي حياة اللبنانيين بشكل خاص؟ والسؤال أيضا هل هي وثيقة الصلة بحقوق الإنسان؟ وفي لبنان بشكل أخص؟ أم أن ما جرى هو مجرد كلام؟ و”تبخر” فور الإنتهاء من “تحبيره”؟ لاسيما وأن للبنان في تلك الوثيقة دور بارز على صعيد الأخوّة بين أبناء الديانات السماوية؟.

ولا بد من سؤال في هذا المجال نطرحه على اللبنانيين من مختلف المذاهب والأديان: أين العمل من أجل وجوب العمل لتوحيد اللبنانيين في ضوء هذه الوثيقة ومضمونها الإنساني؟ أهكذا هي نظرة الإنسان إلى الإنسان الآخر كأخ له؟ وهل هكذا هي تعاليم المسيحية والإسلام وما جاء في آيات القرآن الكريم والإنجيل المقدس فيما يتعلق بالأخوة الإنسانية؟ أم أننا لا نؤمن اصلا بالكتب السماوية وما جاء فيها وأن أمراضنا هي أشد وأدهى؟.

لقد كان بالإمكان تجاوز ما جاء في حوار الرئيسين بري وميقاتي ووضعه في إطار تبادل وجهات النظر حول مضمون مسألة روتينية تتعلق بالتوقيت الصيفي والتداول بكيفية تطبيقه هذا العام أو أن ذلك يستدعي تعديله أو تأجيله، لا أن يسارع البعض إلى “شيطنة” هذا الإجراء ومسارعة البعض إلى إعتباره موجها ضد مكوّن طائفي من مقومات هذا البلد.

والأدهى أنه ما أن إنتهى اللقاء حتى سارعت بعض الأبواق إلى تفسيرات مختلفة لاصحة لها ولا علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالشعائر الدينية لأي مذهب كان، والأغرب أن إحدى المحطات التلفزيونية سارعت إلى مخاطبة الرئيس ميقاتي قائلة: باق لك ساعات معدودات فتراجع قبل منتصف الليل (أمس الأول) وإلا فإن البلد سينقسم بأداة من “عقربين” يشغلان منصبي رئيسين.. تراجع قبل أن يسبقك الزمن وتصبح خارج النظام لأن النظام العالمي والعلمي والقانون ودستور الساعة يُفتي بالتقدم.. وأن مذكرة مجلس الوزراء التي صنعها رؤساء لا يقيمون وزنا للوقت، أهملوا البلد وإقتصاده وورطوا الناس بجدل طائفي يكاد يؤدي إلى حرب أهلية قد تندلع في ساعة تخلٍ.

“تجدد”: التسريب أظهر ميقاتي بلا قرار
هذا وتابعت الأوساط المحلية واللبنانية بإهتمام بالبيان الذي صدر عن “كتلة تجدد” النيابية والذي تناول المسألة بكثير من الوعي الوطني في هذه الظروف وما أسفرت عنه من إيحاءات.وقالت:  أن “قرار التوقيت الذي صدر عن اجتماع بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وأريد به الإيحاء بأنه يسهل على الصائمين صيامهم في شهر رمضان المبارك، هو قرار عشوائي، اتخذ خارج القواعد الدستورية والأسس العلمية، ولا علاقة له بتسهيل يوم الصيام، الذي يبدأ عند شروق الشمس وينتهي عند مغربها، سواء تم تقديم الساعة أو تأخيرها.

واستغربت الكتلة “صدور هذا القرار العشوائي”، وسألت عن “خلفياته ولا سيما أنه سرب بالصوت والصورة ولأول مرة، من مقر رئيس المجلس النيابي، وبشكل مقصود، فأظهر رئيس الحكومة فاقدا للقرار والصلاحيات، وأنتج ردة فعل طائفية مقيتة ومرفوضة، وأدى إلى إلهاء اللبنانيين عن مشاكلهم الحقيقية، وأظهر أن جهة محددة تحكم البلد وتقوده إلى حيث تشاء، ولو أدى ذلك إلى نشوء فتنة”.

ودعت “باسم تنوعها المنبثق من التنوع اللبناني، جميع اللبنانيين إلى رفض ومواجهة هذا السجال العقيم، وعدم الانجرار الى ما تخطط له المنظومة، وتطالب المعنيين بإيجاد الحل الذي يحترم أسس الدستور اللبناني ويراعي المعايير الدولية، والكف عن الاستثمار في التحريض الطائفي، الذي نتج من قراراتهم العشوائية وغير البريئة، للتعمية على تبعيتهم وفشلهم وفسادهم وصفقاتهم”.

بيانٌ من ميقاتي: هذا ما حصل

وفي وقت لاحق  صدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي البيان الآتي: تشكل عملية إنتخاب رئيس الجمهورية الأولوية المطلوبة لاكتمال عقد المؤسسات الدستورية وإعادة الانتظام الكامل الى الدولة اللبنانيةـ وهذا الأمر الذي نشدد عليه في كل مواقفنا ولقاءاتنا واجتماعاتنا يتحمّل مسؤوليته السادة النواب المطلوب منهم دون سواهم انتخاب الرئيس وعدم التلكؤ في القيام  هذا الواجب الدستوري.

لكن يبدو أن البعض يحاول تحويل الانظار عن تعطيله لعملية الانتخاب او فشله في تأمين التوافق المطلوب لاتمام هذا الاستحقاق، بالتصويب مجددا على الحكومة التي تجهد لتأمين استمرارية عمل المرافق العامة ومعالجة القضايا الاساسية قدر المستطاع وبما تسمح به الامكانات.

وبدل أن تأخذ القيادات  الوطنية والسياسية المواقف والتحذيرات الدولية من خطورة الاوضاع بعين الاعتبار وتتوحد على اتمام المعالجات المطلوبة، وتتفعل اجتماعات الطوارئ والاهتمام بمناقشة كيفية الخروج من المخاطر التي عبّر عنها صندوق النقد الدولي، بدل كل ذلك نشهد محاولة لجر البلاد الى انقسام طائفي لتأجيج الصراعات، وإعطاء اجراء اداري  بحت منحى طائفياً بغيضاً.

ونظراً للظروف المستجدة المتعلقة بمحاولة البعض جر البلاد الى انقسام طائفي  لتأجيج الصراعات، ولأننا نتحمل المسؤولية الدستورية بقناعة وطنية ولكن من دون ان نسمح بجرنا الى الانتحار أو إلى ما لا يشبه قناعاتنا،  لكل هذه الاسباب نعلن الغاء جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة الاثنين.

أمام السادة النواب والقيادات السياسية والروحية المعنية مسؤولية انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة، فليتحمّل كل طرف مسؤوليته، وللبحث صلة”.

توفيق سلطان الى “سخفاء آخر ساعة”

و تعليقاً على مسألة تغيير الوقت وقرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي، والمنحى الطائفي الذي اتخذه الموضوع، توجّه القيادي توفيق سلطان إلى الذين “حاولوا الاستثمار بالملف بهدف التجييش الطائفي”، فأشار في تصريح إلى أنه “من المؤسف في عيد البشارة الذي اعتُبر عيداً مشتركاً، أن تحصل هذه الحملة الطائفية بسبب تدبير إداري بغضّ النظر عن صوابيته، وهي ليست المرة الأولى التي تعبّرون بها عن حقدكم وعنصريتكم وطائفيتكم، فقد قطعتم أشجار البلح في كفرفالوس (مجمع الحريري) تحت حجة أن البلحة شجرة إسلامية، علماً بأنها تزيّن علم المملكة العربية السعودية، وغداً ستحرّمون أكل الفتوش لأنها إسلامية، وتستبدلونها بالتبولة لأنها مسيحية، حتماً إنكم سخفاء آخر زمان وآخر ساعة“.

تابعنا عبر