الان سركيس – نداء الوطن
كثُرت التحليلات والتسريبات المتعلّقة بزيارة رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية إلى باريس، وذهب بعضها إلى حدّ القول إن فرنجية بات رئيساً بدعم فرنسي لقاء ضمانات فرنسية للسعودية انتزعتها إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون من فرنجية، وتتعلّق بعلاقات لبنان العربية وعدم تحويل لبنان إلى منصّة للهجوم على الرياض وبقية العواصم العربية وتأمين التوازن في الحكم.
يواجه ماكرون إنتفاضة في الداخل الفرنسي، ويحاول وسط كل هذه المعمعة حجْز مقعد له بين الدول المتقدّمة، لكن الرئيس الفرنسي يعمل أيضاً من أجل تحقيق مكاسب إقتصادية، ويرى لبنان ساحة واسعة للإستثمار.
لا يزال كبار السنّ يتناقلون أن فرنسا التي «انتدبت» لبنان، عملت في السنوات الأولى من حكمها على استغلال موارده، وأهمها التنقيب عن الذهب في الأماكن الأثرية ونقله إلى باريس من أجل تحسين مالية دولتها، خصوصاً وأنها كانت خارجة من الحرب العالمية الأولى وتعاني أزمة إقتصادية حادة. وما أشبه الأمس باليوم، فأزمة «كورونا» والركود والتضخم في فرنسا وأوروبا، من ثمّ الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها، عوامل جعلت ماكرون يفتّش عن مداخيل إضافية واستثمارات خارجية، فوقع اهتمامه على لبنان، البلد المنهوب أصلاً من حكّامه.
وتعتبر إدارة ماكرون أن «حزب الله» الطرف الأقوى لبنانياً، لذلك يستطيع إبرام صفقة معه لقاء الترويج لمرشحه، ويحفظ من جهة ثانية علاقاته بالمملكة العربية السعودية والخليج، من هنا بدأ الترويج لضمانات تُمنح إلى الرياض. وفي السياق، تؤكد مصادر دبلوماسية لـ»نداء الوطن» أن كل ما يُحكى عن ضمانات فرنسية غير واقعية، فالضمانات تتطلّب قوة عسكرية أو مالية تكفلها، وهذا ما تفتقد إليه فرنسا عام 2023، فكيف يمكنها ضمان تصرف فرنجية، وهي التي لم تستطع ضمان تصرّف الرئيس سعد الحريري بعد استقالته وخروجه من السعودية في تشرين الثاني 2017؟
ومن جهة ثانية، يعلم من يتابع مسيرة فرنجية السياسية عجزه عن تقديم ضمانات إستراتيجية لأنّ مرجعيته هي «حزب الله»، فـ»الحزب» هو من يمكنه القيام بذلك. وبالنسبة إلى الشق الداخلي، فكيف يمكن لفرنجية منح الحكومة قدرة تشريعية لتنفيذ اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو ممثل في المجلس النيابي بنائبين فقط؟ وكيف يمكن أن تكون الحكومة هي الضمانة وبإمكان فريقه السياسي تطييرها في أي وقت كما حصل مع حكومة الحريري في 2011 مع أن «إتفاق الدوحة» كان يرعاها؟
ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن الوضع الداخلي الصعب الذي تشهده فرنسا يجعلها غير قادرة على ضمان أحد، ويشرح أن فرنسا قدّمت خلال مؤتمر «سيدر» الخدمات اللوجيستية فقط، لكن الأموال أتت من البنك الدولي والخليج والصناديق الأوروبية. وبالتالي فرنسا في وقتنا الراهن غير قادرة على ضمان رفع النفايات من شوارعها، أسوة بالسلطة اللبنانية الفاسدة، فكيف لها ضمان تصرّف فريق سياسي مشهود له بالإنقلابات عندما لا تعود التسويات تلائمه؟
ويُطرح سؤال جوهري في هذا المجال، وهو ماذا قدّمت فرنسا للبنان منذ عام 2002 وفي ظلّ الأزمة الإقتصادية الخانقة بعد الـ2019؟
وتكشف الأرقام والوقائع أن مصالح فرنسا مع لبنان هي أكبر بكثير من مصالح لبنان مع فرنسا، ففي ظلّ الأزمة الإقتصادية الخانقة، بات التصدير هو المنفذ الأساسي للّبنانيين لتأمين العملة الصعبة، لكن الأرقام توضح أن فرنسا تأتي في المرتبة المتأخرة من حيث حجم استيرادها من لبنان، فلبنان يُصدّر إلى الخليج 30 بالمئة من إنتاجه، وإلى سويسرا 9 بالمئة، وإلى اليونان 5 بالمئة، وإلى الولايات المتحدة الأميركية 4 بالمئة، أما فرنسا التي كانت تُلقّب سابقاً بـ»الأم الحنون» فلا تستورد من لبنان أكثر من 1.45 بالمئة من صادراته.
أما في ما خصّ استفادة فرنسا، البلد الذي يتمتع بحق «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي، من لبنان البلد المنكوب والمنهوب، فلا تُعدّ ولا تُحصى. فعلى سبيل المثال، الاستحواذ على عقد تشغيل محطة الحاويات في مرفأ بيروت من قبل شركة فرنسية، وعلى التنقيب عن الغاز، والخدمات البريدية، وقبلها كلها احدى شركتيّ الخلوي، والأهم من هذا كله هو تمسّك شريحة واسعة من اللبنانيين بالحفاظ على الثقافة واللغة الفرنسية.
وأمام كل هذه الوقائع، تسقط الضمانات، فمن لا يملك القوة لا يستطيع إعطاء وعود سياسية. صحيح قد يلتزم فريق «الممانعة» في بداية الطريق، لكن في أي لحظة يسقط فيها الإتفاق السعودي – الإيراني سيعود هذا الفريق إلى ممارساته السابقة، وعندها تكون إدارة ماكرون قد أمّنت مصالحها على حساب مصالح الشعب اللبناني.