زياد عيتاني – أساس ميديا
دولة الرئيس نجيب ميقاتي..
هذه استشارة أقدّمها إليك من موقع الحريص. لقد حان الوقت أن تُنزل عن كتفيك هذا الثقل الكبير. إرمِ التكليف بصلابة بوجههم. قُلْ لهم لن أصعد بعد اليوم إلى قصر بعبدا، فخزّان سيّارتي قد فرُغ من البنزين، فيما خزّان وقود طائفتي يكاد ينفجر من هذا الكم من كبائر الإهانات.
استدعِ نقيب باعة الكعك الطرابلسي في تلك الساحة التي تَسَع الصغير والكبير، ساحة النور، فهو خير صديق، واستدعِ معه الإعلام، وسلّمه اعتذارك، واطلب منه أن يوصله إلى بعبدا، وليواكبه على الدرّاجات النارية شباب باب التبّانة وجبل محسن وأبو سمراء والخناق والزاهرية والقبّة والبدّاوي والمنية والضنّيّة. لا تجزَع ولا تتردّد، فهذا عهدٌ لا يستحقّ الاحترام ولا التقدير.
السُنّة في لبنان في مأزق. نعم هم في مأزق سياسي يتعلّق بدورهم في المعادلة الوطنية، وبالشراكة في القرار السياسي. هو مأزقٌ جعل الطائفة الكبرى في لبنان غير قادرة على التفريق بين التنازلات والاعتداءات بعدما باتت متساوية بالنتائج
دولة الرئيس، إنّ إصلاح الانكسار الوطني لا يمكن تصحيحه بالبحث عن اسم من هنا واسم من هناك بغية التوزير. ماذا تنتظر بعد كلّ هذه العراقيل؟ هل تنتظر أن تستقبل الباخرة الإيرانية عند شاطئنا الجميل أو أن ترعى صهاريج الحزب وهي تصوِّر الفيديوكليب. القصّة ليست قصّة حقائب، بل هي قصّة عهد ومحور هوايتهما التعطيل.
إصلاح هذا الانكسار لا يمكن باستمرار هذه السياسات. نحن بحاجة إلى صدمة كبرى، ليس فقط لإنقاذ السُنّة ورئاسة الحكومة وكرامتها، بل لإنقاذ البلد برمّته، حيث استمراره مستحيلٌ وسط الفقدان المريع للتوازن الوطني الذي به تحصّنّا فحقّقنا الاستقلال الأوّل والثاني، ومن دونه لن نحقّق استقلالاً جديداً.
يحتاج الإصلاح إلى صدمة كبيرة تبدأ باعتذارك فوراً، والإعلان عن حلّ نادي الغولف، الذي مِن أعضائه مَنْ حُرِق سياسياً بالتكليف، ومنهم مَنْ لا يملك القدرة على التدبير. لقد أصابتنا التخمة من مواقفهم وتنازلاتهم. ثمّ فلنذهب جميعاً معلنين العصيان السياسي والترفّع عن كلّ هذه الترّهات، فلا مشاركة في الاستشارات، ولا مفاوضة في المكتسبات، وليُعلن الحُرم من دار الفتوى على كلّ شخصيّة سُنّيّة تجرؤ على مخالفة الإجماع. ليذهب هذا العهد إلى الجحيم، فكرامة موقع السُنّة الوطني فوق كلّ المقامات. وموقفنا الصلب يعيد إليه التقدير.
السُنّة في لبنان في مأزق. نعم هم في مأزق سياسي يتعلّق بدورهم في المعادلة الوطنية، وبالشراكة في القرار السياسي. هو مأزقٌ جعل الطائفة الكبرى في لبنان غير قادرة على التفريق بين التنازلات والاعتداءات بعدما باتت متساوية بالنتائج.
التنازلات المتكرّرة تحوّلت من أخطاء مقصودة أو غير مقصودة إلى ما يشبه الاعتداء على حقوق السُنّة ومكتسباتهم ودورهم، فيما الاعتداءات عبر تكرارها والإصرار عليها باتت وكأنّها حرب إلغاء لا هوادة فيها. النتائج هي هي، إن عبر التنازل أو عبر الاعتداء، وهو ما جعل الأوصياء على الطائفة، من زعماء أو مشاريع زعماء، شركاء أصيلين في حالة الاعتداء، حيث لم يقصّروا بالواجب بين جولة اعتداء وأخرى منذ عام 2017 حتى هذه اللحظة.
انكسر التوازن الوطني بين الرئاسات الثلاث. وفي عبارة أدقّ، انكسر التوازن بين الطوائف الثلاث الكبرى في لبنان التي تقوم عليها هذه الرئاسات. السُنّة، وهم على رأس الرئاسة الثالثة، أي على رأس السلطة التنفيذية بالشراكة في مجلس الوزراء كما ينصّ اتفاق الطائف، تحوّلوا من إدارة هذه السلطة إلى أربعة أصناف بفعل سوء الإدارة السياسية للتسويات والتفاهمات:
أ- لاجئين سياسيين عند الرئيس نبيه بري.
ب- لاجئين أمنيين عند حزب الله.
ج- جثث حكومية عند الرئيس ميشال عون.
د- مخاصمين من دون مبرّر لكلّ الحلفاء داخل الحدود وخارجها.
تحوّل السُنّة بلايقينهم إلى ورقة سياسية بيد طائفة أخرى أو إلى رهينة أمنيّة عند ميليشيا عسكرية أو إلى ألعوبة بيد عهد لا طعم له ولا رائحة. وجهه كقفاه لا يحمل أيّ تعبير
تنوّعت الأوصاف لسُنّة لبنان: منهم مَنْ يقول إنّها الطائفة المحبَطة، ومنهم مَنْ يتحدّث عن الطائفة الحزينة، إلا أنّ الأصدق إنّها الطائفة المقهورة. لكن بين كلّ هذه الصفات تتقدّم صفةٌ لتتصدّر المشهد. سُنّة لبنان هم طائفة “اللايقين”، وفي ذاك التوصيف تفنيد وترتيب:
أ- لا يقين بتصنيف الحلفاء والخصوم.
ب- لا يقين بحجم القدرات والإمكانات.
ج- لا يقين بضرورة المقاومة والصمود.
د- لا يقين بالقدرة على إحداث تغيير.
تحوّل السُنّة بلايقينهم إلى ورقة سياسية بيد طائفة أخرى أو إلى رهينة أمنيّة عند ميليشيا عسكرية أو إلى ألعوبة بيد عهد لا طعم له ولا رائحة. وجهه كقفاه لا يحمل أيّ تعبير.
.. خاصم السُنّة، عبر سعد الدين الحريري، كلّ الحلفاء، إلا أنّهم لم يكسبوا صديقاً جدّيّاً يحلّ مكان هؤلاء الحلفاء. تصارعوا مع القوات اللبنانية من أجل لاشيء، بل لإرضاء الآخر الذي يتنوّع ما بين المهيمِن أو المعتقِل أو المفاوض المستهتر. خاصموا وليد جنبلاط، ومعه أكثريّة الموحّدين الدروز، ونسوا ما كان يقوله الرئيس الراحل تقيّ الدين الصلح من “أنّ الدروز هم السُنّة الاحتياط”. خاصموا الخليج العربي، وتنكّروا للمملكة العربية السعودية من أجل شخص جَرُؤ أن يهدّد المملكة بنتائج الانتخابات، فيما الحقيقة تقول إنّ المملكة لو أرادت أن تتدخّل ما كان هو شخصيّاً لِيَقدر على النجاح بالانتخابات.
يبقى السؤال: كيف الخروج من اللايقين إلى اليقين؟ والبحث عن الإجابة ليس من المستحيلات:
1- في الداخل:
أ- أن يُعلَن الحُرم على كلّ شخصيّة سُنّيّة ترضى التواصل مع هذا العهد البغيض تكليفاً أو استشارات نيابية أو حتى لقاءً على فنجان شاي ساخن أو بارد، فشاي قصر بعبدا محرَّم لأنّه مأخوذ من الهبة الصينية المقدّمة إلى شعبنا الفقير.
ب- أن نستعيد القدرة على أن نقول “لا”، أو أقلّه أن نعتكف، وبالعامّيّة أن “نحرد”، ونمتلك الشجاعة أن نلتزم منازلنا رافضين دور الرهينة أو المعتقَل أو المستهتر.
ج- أن نعيد ما انقطع مع الحلفاء، فنضع الحلف من الثوابت، والتباين في وجهات النظر من المتغيّرات.
د- أن نؤمن أن لا دولة ولا مؤسسات من دوننا، وأنّنا أسيادها، شاء الشركاء الاعتراف بذلك أم أَبَوا.
2- في الخارج:
لا يمكن لأحد أن يخيِّر السُنّة ما بين أن يكونوا مع المملكة العربية السعودية أو مع فرد من الأفراد. المملكة دولة كانت ولا تزال وستكون دوماً مرجعيّة كبرى للعرب والمسلمين في كلّ الديار. أمّا الفرد أو الأفراد فيأتون ويرحلون، ومَن يتشكّك في ذلك فما عليه إلا مراجعة كتب التاريخ وسيرة الأفراد والرحلات.
إنّ العلاقة بين المملكة العربية السعودية ولبنان لم يصنعها فردٌ، ولا يمكن أن يسيء إليها فرد من الأفراد مهما علت درجة قرابته بالشهيد رفيق الحريري. هذه العلاقة صنعها التاريخ وتعاليم الدين. فاللبناني شارك بفعّاليّة في إعمار المملكة، والمملكة شاركت بأكثر من الفعّالية في إغناء عائلاتنا واقتصادنا وإعمار بلادنا بعدما هدّمناها بفعل حروبنا المتعدّدة عبر هذا التاريخ.
هذه العلاقة مع المملكة غير قابلة للاعتقال من قبل أيٍّ كان، وغير قابلة للاعتقال من قبل مَن أساء إدارة كلّ شيء، عائلته وناسه وتيّاره وإرثه والودّ مع الأحباب والأصدقاء، البعيد منهم والقريب.
دقّت ساعة الحقيقة التي تقول إنّ المارد كفاه نوماً في سبات عميق. دقّت ساعة يقظته كي نصنع بصلابتنا فجراً جديداً.