كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لا يزال موقف القوى المسيحية، وتحديداً «التيار الوطني الحرّ» و»القوات» عقبة أساسية أمام وصول رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية إلى القصر، اذا ما افترضنا أنّ السعودية قررت رفع الحواجز من أمام القطب الزغرتاوي. وهي لم تفعلها حتى اللحظة.
تشكّل الممانعة المسيحية عثرة ليست ببسيطة أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي اذا كان سيتوّج فرنجية خلفاً للرئيس ميشال عون. حتى أنّ البعض يستعيد مشهدية الرفض المسيحي للعرض الأميركي الذي حمله ريتشارد مورفي في العام 1988 حين قال «مخايل الضاهر أو الفوضى». فاختار الثلاثي المسيحي يومها الفوضى رافضين الانحناء أمام رياح التسوية الاقليمية الأميركية – السورية.
وتكمن أهمية هذا الإلتقاء غير المباشر عند خطّ الرفض، في قدرته على تعطيل النصاب القانوني في حال قرر معارضو فرنجية عدم المشاركة في الجلسة، لكونهم يملكون أكثر من ثلث أعضاء مجلس النواب بشكل يحول دون التئام البرلمان للقيام بواجبه، وفي قدرته على نزع الميثاقية المسيحية عن رئاسة فرنجية، ولو أنّها ورقة أقل تأثيراً، سيتخطاها الأخير كما حلفاؤها في حال كانت طبخة رئاسته محمية سعودياً، وهو شرط لم يتردد هو في وضعه على طاولة المفاوضات.
إلى الآن، حسمت «القوات» خيارها بإدارة الظهر لأي جلسة انتخابية من شأنها أن توصل رئيس «تيار المردة» إلى بعبدا، لا بل تذهب في معارضتها إلى حدّ الجزم بأنّ سيناريو ترئيس الأخير معدوم ولن يرى النور، وكأنّها متيقنة أو متأكدة أنّ السعودية لن تقوم بأي تموضع سياسي في خيارها الرئاسي اللبناني وستظل في مربّع رفض الشراكة الفعلية.
أما «التيار الوطني الحر» فلا يزال في منزلة بين منزلتين: لم يورّط نفسه في موقف حاسم بالتزامه مقاطعة الجلسات الانتخابية في حال كان فرنجية هو المرشح الأوفر حظّاً ونجح في تأمين أغلبية الـ65 صوتاً. لكنّ رئيسه جبران باسيل في المقابل، يجزم في السرّ والعلن بأنّه رافض بالمطلق لخيار انتخاب رئيس «تيار المرده».
في الواقع، بات جلياً أنّ رفض باسيل لانتخاب فرنجية، هو رفض وجوديّ يتصل بمستقبله ومستقبل فريقه السياسي، ذلك لأنّه مهما كان حجم التقديمات والضمانات التي سيقدّمها العهد الجديد لوريث العهد القديم، ستكون هذه الشراكة على حسابه لا لمصلحته لخشيته من تشظّي الحالة العونية ومفاتيحها السلطوية وانحيازها للسلطة الجديدة. ولو أنّ بعض العونيين يعتبرون أنّ فرض الرئيس على المسيحيين، لا سيما من جانب «حزب الله»، هو أمر مرفوض بالمطلق يجعل من ترئيس فرنجية على النحو الحاصل، احتمالاً غير مقبول أبداً.
ولهذا يؤكدون أنّ الاعتراض يتخطى الاعتبارات السلطوية أو المكسبية، إلى ما هو متصل بجوهر موقع المسيحيين في التركيبة ودورهم. وما يقوم به «حزب الله» يقارب «المحرّمات».
محاذير بالجملة
ومع ذلك، يرى بعض عارفي باسيل أنّ لمعارضته محاذير قد تجعل مشروع رفضه لفرنجية مطوّقاً ببعض العقبات. صحيح أنّه يقف على ضفّة معارضة القطب الزغرتاوي، لكنه يحاذر قطع شعرة معاوية مع «حزب الله» لأنّ مخططه الرئاسي يقضي أولاً باستبعاد رئيس «تيار المردة»، وقائد الجيش جوزاف عون بطبيعة الحال، لكنه يرمي في نهاية المطاف إلى الاتفاق مع «حزب الله» على مرشح ثالث. وهو السيناريو النموذجي بالنسبة له. ولهذا، فإنّ لمعارضته وظيفة محددة، وهي ليست مفتوحة على مصراعيها.
ولعل هذا الاحتمال هو الذي يزيد من عامل اللاثقة بينه وبين بقية مكونات المعارضة، وتحديداً «القوات» التي تخشى من أن تكون الجسور التي يمدها باسيل نحو معراب، تهدف فقط إلى استخدام هذه الورقة في ملعب ابتزازه لـ»حزب الله» لا أكثر. ولهذا يرفع الفيتو بوجه الترشيحات التي طرحت من جانب المعارضة، ومنها على سبيل المثال صلاح حنين الذي كان بإمكانه أن يكون مرشح التقاء بين باسيل والمعارضة و»الحزب التقدمي الاشتراكي».
وفق هؤلاء، فقد تدرّج باسيل في موقعه، من مرشّح أساسي إلى صانع رئيس، وها هو لا يملك إلّا ورقة التعطيل. يقرّون أنّها ورقته الأخيرة ولا مؤشرات تدلّ على أنّها قد تكون نهائية بمعنى أنّ المتغيرات الحاصلة، والتي قد تحصّن فرنجية بتفاهم اقليمي، قد تدفع «التيار الوطني الحر» إلى تليين موقفه أيضاً.
والأرجح أنّ بعض نواب «تكتل لبنان القوي» يفكّرون بهذه الطريقة، ويعتقدون أنّ احتمال حصول تسوية خارجية قد تنزع من باسيل ورقة التعطيل لأسباب كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر أنّ «التيار» وبيئته وجمهوره وكوادره وقيادييه، باتوا من «أحزاب السلطة» بمعنى أنّ القفز إلى مقاعد المعارضة، الجافة في مواردها السلطوية، قد يكون صعباً ومكلفاً. والأرجح أنّ قيادة «التيار» تخشى الإقدام عليه، وقد تضطر في نهاية المطاف إلى المكوث في الوسط، بمعنى عدم تعطيل النصاب ولكن من دون التصويت لفرنجية، لتتيح لـ»التيار» أن يكون شريكاً في السلطة.
كما أنّ التعطيل للتعطيل طالما أنّ «التيار» لم يتبنَ أي مرشح، ولا يخوض معركة أي مرشح، أسوة باستحقاق العام 2014، قد يحمل أعباءً من الصعب تحمّلها اذا ما جرى تحميل المعارضة أكلاف الانهيار المتمادي والمشرَّع على الفوضى الاجتماعية والاقتصادية.
وفق هؤلاء، فإنّ منطق عضّ الأصابع الذي سيركن إليه الجميع من خلال الرهان على الوقت لإنهاك الخصوم والمعارضين، قد لا يكون سهلاً بالنسبة لـ»التيار» خصوصاً وأنّ الخيارات المتاحة أمامه محدودة جداً.
حتى اللحظة، جبران باسيل على يمين المعارضة للحؤول دون انتخاب فرنجية. ولكن ماذا لو انقلب المزاج الدولي والاقليمي وصار لمصلحة الأخير؟ ماذا لو نجح في تأمين أغلبية نيابية؟ هل سيحرق العونيون كلّ الجسور؟ لا إجابات حاسمة.
ومع ذلك، ثمة من يعتبر أنّ لعبة المزايدات المسيحية لطالما فعلت فعلها في حشر القوى المسيحية في زاوية المعارضة، فكيف الحال حين تكون كرسي الرئاسي على المحك؟