منير الربيع – المدن
تكتيك فاشل
فمن خارج منطق التعليب الذي تسعى الأطراف المختلفة إلى تثبيته وتعزيزه، يعمل المختلفون على تبادل التهم – إما بالعمالة وإما بمحاولة توريط لبنان في معادلة إقليمية – تبدو السجالات اللبنانية اليومية لا معنى لها، قياساً إلى دلالات ما جرى المتعددة، والتي سترخي بظلالها السلبية والخطرة في المرحلة المقبلة التي ستشهد تفاعلاً أكبر لمثل هذه الحوادث.
فما حدث يوم الجمعة 6 آب الحالي ينطوي على مخاطر جمّة. مخاطر لا تتعلق بإطلاق الصواريخ والانقسام حولها فقط، لا سيما أن ردود الفعل جاءت في سياق واضح المعالم يزيد منسوب الضغط على حزب لله، ووجوده على تماس مباشر مع البيئات المختلفة. فرد الفعل في بلدة شويا، جاء ترجمة لنوع من الاحتقان البلدي والمحلي ضد أنشطة حزب الله أولاً. وهنا لا حاجة للدخول في منطق التخوين الذي لا يسهم في إعلاء شأن الحزب بل يورطه أكثر، ولا يسهم في إعادة تعزيز اللحمة الوطنية حوله.
فذهينة التعالي المتعجرفة التي عمل حزب الله على تسويقها مبرمجة، تنعكس سلبياً عليه فيحصد نتيجة ما زرع سابقاً. ولا يمكن للحزب إياه استعادة كسب المشروعية والتعاطف بمنطق الفرض والقوة والتخوين، ولا بشن حملات التهشيم. فهذا لا يقود إلا لاعتصاب مذهبي طائفي لا يخدم إلا مرحلياً وتكتيكياً في المسار الاستراتيجي الذي يظن حزب الله أنه يسلكه.
فشل عسكري
وهناك من يعتبر أن يوم الجمعة كان سلبياً جداً على حزب الله بمعايير مختلفة. بدءاً من العملية العسكرية التي وصفت بالفاشلة في المنظور العسكري، بصرف النظر عن المنظور المعنوي والسياسي وبعده الإقليمي الذي نجح بموجبه حزب الله في تثبيت قواعد اشتباك يريدها. كما نجح بتقديم صورة أساسية لمعادلة الردع لديه.
أما عسكرياً فأطلق 21 صاروخ، اثنان سقطا في الأراضي اللبنانية، و12 تصدت لها القبة الحديد الإسرائيلية، و2 سقطا في إحدى قرى الجولان، و3 صواريخ سقطت في “مناطق مفتوحة بمزارع شبعا في محيط المواقع الإسرائيلية، أي مناطق الهدف”. هنا تشير مصادر عسكرية إلى أن ما جرى لا يثبت فاعلية معادلة الردع. خصوصاً أن الصواريخ من نوع غراد وطريقة إطلاقها بدائية. والأكيد أن حزب الله لم يستخدم صواريخ أدق أو أكثر تطوراً، كي لا يظهر وكأنه يريد تصعيد منسوب التصدي لفرض معادلة جديدة، بل يريد العمل ضمن القواعد السابقة.
فشل سياسي
أما سياسياً وشعبياً، فقد كان الجمعة يوماً سيئاً على حزب الله، لجهة ما حصل في شويا، وقطع الطريق على مجموعته بعد عودتها من عملية القصف. والاشتباك الذي حصل مع أهالي شويا، تعبير أولي عن حال الرفض والاحتقان ضد حزب الله. ولا يمكن فصل ما جرى عن ارتدادات حادثة خلدة ومشهديتها شعبياً واستراتيجياً لدى تناول مسألة “طريق المقاومة” التي لم تكن سالكة إلى بلدات الجنوب، في خلدة وفي شويا. وعمليات قطع الطرق حصلت سابقاً، وعبر حزب الله عن غضب كبير منها. ومن إرتدادات حادثة شويا وطرد بعض مشايخ الدروز من بعض مناطق الجنوب، ردّ فعل أو جواب على طريق البقاع، واعتداءات على عدد من سالكيها.
والمشاهد كلها مخيفة ومهينة لا تذكر إلا بمشاهد الحرب. وهذا يعني زيادة منسوب الاستنفار الشيعي – الدرزي، والشيعي – السني، والشيعي – المسيحي، وكلها تتفاقم منذ ثورة 17 تشرين إلى تفجير المرفأ وحتى اليوم.
ضوء على فشل اليونيفيل
وكان يوم الجمعة سيئاً أيضاً على قوات اليونفيل، لأن ما جرى سلط الضوء أكثر على دورها وميزانياتها، وعلى البحث في إعادة تشغيلها وفقاً لقواعد جديدة. فهي تبدو عاجزة عن القيام بدورها، ولا يمكنها الاستمرار بالعمل ضمن النطاق المرسوم لها، ووفق المعدات التي بحوزتها.
لذا ستزداد الضغوط المطالبة بتوسيع مهامها ورفع منسوب التقنيات الحديثة والمتطورة لرصد حركة الأسلحة. ولفرض قواعد مراقبة جديدة، في موازاة إعادة تثبيت قواعد الاشتباك بين حزب الله والعدو الإسرائيلي.
وثمة من سيضغط على حزب الله والجيش اللبناني لضرورة تغيير قواعد عمل اليونفيل، بعد الفشل في منع إطلاق الصواريخ. وهذا سيدخل لبنان في دوامة جديدة من التصعيد السياسي والضغط الاقتصادي.
صورة سلبية للجيش
وحتى الصورة الانقسامية التي قدمت حول الجيش في شويا جاءت سلبية. وهذا على الرغم من عمل الجيش على سحب فتيل الفتنة أو التوتر: تجنيب شويا المزيد من التصعيد، وإخراج عناصر حزب الله وشاحنة صواريخه وتسليمها له، إضافة إلى إطلاق سراح الموقوفين، بعدما أصدر الجيش بياناً أكد فيه توقيفهم.
وهذه الصورة للجيش ستكون لها ارتدادات سلبية لدى جهات خارجية، خصوصاً أميركية وخليجية، بنتيجة التنسيق بين الجيش وحزب الله.